نَعم دارُ نُعْمٍ أشرفتْ من فجاجها ... فملْ نحوها بالناجياتِ وناجِها .
وإنْ حثَّ ساقي الشوقِ كأسَ تلهُّفٍ ... فما الدمعُ مخلوقاً لغير مزاجها .
خليليَّ قد لجَّجْتُ في الحبِّ رغبةً ... فهل للُواحي رغبةٌ عن لجاجها ؟ .
وكم للمطايا يومَ رملةِ عالجٍ ... من البينِ مرضى حُيِّدَت عن علاجها .
وكم من شَجٍ سلَّت عليه يدُ النوى ... ظُباها فأمسى مثخناً من شجاجها .
فما ضرَّ هاتيك الركائبَ لو رثَتْ ... فعاجتْ على المُضْنى بدمية عاجها ؟ .
وبي قُضْبُ وشيٍ هيَّمَت باهتزازها ... على كُثْب أُزْرٍ تَيَّمَتْ بارتجاجها .
تحيِّيكَ منها للثغور لآلئٌ ... حياةُ المُعنَّى رشفةٌ من مُجاجها .
وقال : .
أقولُ والفجرُ قد لاحتْ بشائره ... والجوُّ قد كاد ينضو حُلَّةَ السَّدَفِ .
والليلُ خلفَ عصا الجوزاء من خَوَرٍ ... قد آل في عمره للشيبِ والخَرَفِ .
راهنتَ يا نجمُ طرفي في السهاد وقد ... بدا بأجفانك التغريرُ فاعترفِ .
وقال : .
ما بين وجهك والهلال سوى ... أنَّ الأهلَّة لا تُميتُ هَوى .
لله منظرُ من كلفتُ به ... ماذا من الحسنِ البديع حوى .
والنجم منه إِذا هوى وذوى ... ما ضلَّ مثلي عاشق وغوى .
ظبيٌ رأى بلهيب وجنته ... للقلب طبًّا آخراً ولوى .
ما الغصنُ هزَّته الجنوب إِذا ... ما السكرُ هزَّ قوامَهُ ولوى .
لام العذولُ وقد رآه وكم ... عاوٍ على البدر المنير عوى .
يا من غدا بِنَواهُ يوعدني ... ليكنْ عقابُك لي بغير نوى .
انظر إلى جسمي يذوب ضنًى ... وانظر تجدْ قلبي يُفَتُّ جوى .
وقال قصيدةً مدح بها السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ذات قوافٍ متعدِّدة متى أردتَ أنشدتها على أيِّ رويٍّ شئتَ من السين والباء والدال والعين والراء واللام والميم والنون والثاء والفاء والكاف والضاد والغين والخاء والشين والتاء والطاء والهاء والصاد والقاف والجيم والحاء والزاي والياء مهموزة أوْلها : .
نَوًى أطلعت منها القفارُ البسابسُ ... نخيلَ مطيٍّ طلعُهنَّ أوانسُ .
فلكَ أن تقول : القفارُ السباسبُ القفارُ الفدافدُ القفارُ البلاقعُ القفارُ الحواترُ القفارُ المجاهلُ القفارُ المخارمُ القفارُ الشواطنُ القفارُ البرائثُ القفارُ التنائفُ القفارُ العوانكُ القفارُ المرافضُ القفارُ الزوائغُ القفارُ السرابخُ القفارُ العواطشُ القفارُ السبارتُ القفارُ البسائطُ القفارُ المهامهُ القفارُ المراهصُ القفارُ السمالقُ القفارُ الفواتحُ القفارُ الصحاصحُ القفارُ البوارزُ القفارُ المواطئُ . وهكذا تغيرّ كل قافيةٍ من هذه الحروف فتكون هذه القصيدة أربعاً وعشرين قصيدة وهي في غاية الحسن وعدم التكلّف . ودخل الوجيه ابن الذِّروي يوماً إلى الحمَّام ومعه ابن وزير الشاعر فقال ابن وزير : .
لله يومي بحمَّامٍ نعمتُ بها ... والماءُ ما بيننا من حوضها جاري .
كأَنَّه فوق شقَّات الرخامِ ضحًى ... ماءٌ يسيلُ على أثوابِ قَصَّارِ .
فقال ابن الذِّروي : .
وشاعرٍ أوقد الطبعُ الذكيُّ له ... فكاد يُحرقه من فرطِ إذكاءِ .
أقام يُعمل أياماً رويَّته ... وشبَّه الماء بعد الجهد بالماء .
وقال ابن الذِّروي في الحمَّام : .
إنَّ عيشَ الحمَّامِ أطيبُ عيشٍ ... غيرَ أنَّ المُقامَ فيها قليلُ .
هي مثل الملوك تصفي لك الو ... دَّ قليلاً لكنّه يستحيلُ .
جنَّةٌ تُكره الإقامةُ فيها ... وجحيمٌ يطيبُ فيه الدخولُ .
فكأَنَّ الغريقَ فيها كليمٌ ... وكأَنَّ الحريقَ فيها خليلُ .
وفي ابن الذِّروي يقول نشءُ الملك بنُ المنجِّم : .
لا تَنْسُبَنَّ الوجيهَ حين كسا ... بُردته للغلامِ من غَلَطهْ .
واللهِ ما لَفَّهُ ببردته ... إلاَّ لأخذ القضيبِ من وَسَطهْ