إِذا ركب الذنوبَ أخو مَشيبٍ ... فما أحدٌ يقولُ : متى يتوبُ ؟ .
وداءُ الغانياتِ بياضُ رأسي ... ومن مُدَّ البقاءُ له يَشيبُ .
سأصحبُه بتقوى الله حتَّى ... يفرِّق بيننا الأجلُ القريبُ .
وآل أمره مع المأمون إلى أن سمّه في رُمّانة على ما قيل مداراةً لبني العباس ؛ فلما أكلها وأحسَّ بالموت وعلم من أين أتي أنشد متمثِّلاً : .
فليتَ كفافاً كان شرُّك كلُّه ... وخيرُك عني ما ارتوى الماء مرتوي .
ثمَّ أرسل إليه المأمون وقال : ما توصيني به ؟ فقال للرسول : قل له يوصيك أن لا تعطيَ أحداً ما تندم عليه .
وكان أسودَ اللون لأن أمَّه كانت سوداء . فدخل يوماً حمّاماً فبينما هو في مكانٍ من الحمّام إذْ دخل عليه جنديٌّ فأزاله عن مركزه وقال : صبَّ على رأسي يا أسود ! .
فصبَّ على رأسه فدخل من عرفه فصاح بالجندي : هلكت وأهلكت أتستخدم بن بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإمام المسلمين ؟ ! .
فانثنى الجندي يقبِّل رجليه ويقول : هلاّ عصيتني إذْ أمرتك ! .
فقال : إنها مَثوبة وما أردتُ أن أعصيك في ما أثابُ عليه . ثمَّ قال : .
ليس لي ذنبٌ ولا ذنبَ لمن ... قال لي : يا عبدُ أو يا أسودُ .
إنَّما الذنبُ لمن ألبسني ... ظلمةً وهو سنًى لا يُحمدُ .
المفيد أبو سعد النيسابوري .
علي بن موسى بن محمد أبو سعد السُّكَّري النَّيسابوري . من وجوه الفقهاء وحفّاظ الحديث . سمع الكثير من أصحاب الأصمّ . جمع وخرَّج وانتخب على المشايخ وكتب كثيراً . سمع جدَّه لأمه عُبيد الله بن عمر بن محمد السكري المُزكي وأحمد بن الحسن الحيري ومحمد بن موسى الصَّيرفي وغيرهم . توفي بعد رجوعه من الحج في الرمل بين البصرة والمدينة سنة خمس وستين وأربع مائة .
الدهّان المقرئ المصري .
علي بن موسى بن يوسف الإمام المقرئ الزاهد أبو الحسن السَّعدي المصري الدهّان . ولد بالقاهرة سنة سبع وتسعين وخمس مائة وتوفي سنة خمس وستين وست مائة . قرأ القراءات على أبي جعفر الهَمْداني وعلى الصفراوي جمعاً إلى آخر الأعراف وسمع من جماعة وتصدَّر للإقراء في المدرسة الفاضليَّة وكان عارفاً بالقراءات ووجوهها تامَّ المروءة ساعياً في حوائج الناس . قرأ عليه شمس الدين الحاضري وأبو عبد الله محمد بن إسرائيل القصّاع والبرهان أبو إسحاق الوزيري وجماعة . وتوفي فجاءة .
ابن سعيد المغربي .
علي بن موسى بن سعيد المغربي الغُماري العَنْسي - بالنون - الأديب نور الدين ينتهي إلى عمار بن ياسر . ورد من الغرب وجال في الديار المصرية والعراق والشام وجمع وصنّف ونظم . وهو صاحب كتاب المُغرب في أخبار أهل المَغرب وملكتُه بخطّه وصاحب كتاب المُشرق في أخبار أهل المَشرق وملكت منه ثلاث مجلدات بخطّه وكتاب الغراميّات وملكته بخطّه وكتاب حلي الرسائل ورأيته بخطّه وكنوز المطالب في آل أبي طالب وملكته بخطّه في أربع مجلدات والمُرقص والمُطرب . توفي يوم السبت حادي عشر شعبان سنة ثلاث وسبعين وست مائة .
وفي ترجمة بهاء الدين زهير شيءٌ من ذكره . حكى أنَّه كان في جماعة من شعراء عصره المصريين وفيهم أبو الحسين الجزَّار فمرُّوا في طريقهم بمليح نائم تحت شجرة وقد هبَّ الهواء فكشف ثيابه عنه فقالوا : قفوا بنا لينظم كلٌّ منَّا في هذا شيئاً . فابتدر الأَديب نور الدين وقال : .
الريح أقْوَد ما يكون لأنَّها ... تبدي خفايا الرِّدف والأعكانِ .
وتميِّل الأَغصانَ عند هُبوبها ... حتَّى تقبِّلَ أوجه الغدرانِ .
فلذلك العُشَّاق يتَّخذونها ... رُسُلاً إلى الأَحباب والأَوطانِ .
فقال أبو الحسين : ما بقي أحدٌ منَّا يأتي بمثل ذلك .
أخبرني الحافظ فتح الدين محمد بن سيد الناس من لفظه قال : دخل عليَّ والدي يوماً وأنا أكتب في شيء من كلام ابن سعيد فقال لي : أيْشٍ هذا الذي تنظر فيه ؟ فقلت : شيءٌ من كلام ابن سعيد فقال : دعه فإنَّه لا بالأَديب الرائق ولا المؤرِّخ الواثق . انتهى . ولَعمري ما أنصفه الشيخ أبو عمرو فإنَّ ابن سعيد من أئمَّة الأدب المؤرِّخين المصنِّفين . ومن شعره : .
كأَنَّما النهرُ صفحةٌ كُتبتْ ... أسطرُها والنسيمُ مُنشِئُها