يا نَجْلَ فتحِ الدين أغلق رُزؤكم ... بابَ الرجاء وأوثقَ الأقفالا .
لَهْفي على تلك البشاشةِ كم بهِ ... بسطتْ لِوفد ربعه آمالا .
لهفي على تلك المكارم كم سقتْ ... ظامي الرجاءِ الباردَ السلسالا .
لهفي على تلك المروءة كم قضتْ ... سؤلاً لمن لم يُبْدِ فيه سؤالا .
لهفي على آلائه كم أثقلتْ ... ظهراً وكم قد خفَّفت أثقالا .
لهفي على تلك المآثر لم تُطِع ... في فعلها اللُوّامَ والعُذّالا .
أبكي عليه وقلَّ مني أنني ... أبكي عليه وأُكثرُ الإعوالا .
أدعو دموعي والعزا فيجيبُني ... ذا هاملاً ويصدُّ ذا إهمالا .
وإذا اعتبرتُ الحزنَ كان حقيقةً ... وإذا اعتبرتُ الصبرَ كانَ مُحالا .
وإذا غفلتُ أقام لي إحسانهُ ... في كل وقتٍ من سناه مِثالا .
وإذا هجعتُ فإنَّما زار الكرى ... ليروعَ قلبي أن أراه خيالا .
قد كان يُكرم جانبي ويجلُّني ... وإذا ذُكِرْتُ أطابهُ وأطالا .
ويُحِلُّني كأبيه في تبجيله ... حتَّى أقول قد استوينا حالا .
فعلامَ لا أبكي وأستسقي لهُ ... سُحُبَ القبول من الكريم تعالى .
ولقد صحبتُ أباه قبلُ وجدَّهُ ... وهما هما مجداً سما وكمالا .
فوجدتُهُ قد حاز مجدهما معاً ... فَرْداً ونال من العُلى ما نالا .
ومضى حميداً طاهراً ما دنَّست ... أيدي الهَوَى لبرودهِ أذيالا .
عَجِلَ الحِمامُ على صباهُ فلا ترى ... إلاَّ دموعاً تستفيضُ عجالى .
يا ناصرَ الدين ادّرِعْ صبراً فقد ... فارقت ثمَّ صبرتَ ذاك الخالا .
ورزئتَ قبل فراق خالِكَ بابنه ... فحملتَ أعباء الخطوبِ ثقالا .
وختامُ هاتيك الحوادث فقدُ ذا ... فأعادَ حُزناً كان مرَّ وزالا .
فاسلم لتبلغَ بابنهِ العليا التي ... فسحت لهم فيها النجومُ مجالا .
فالأجرُ جمٌّ والعزاء طريقهُ ... فاصبر فلستَ ترى لها أمثالا .
هي هذه الدنيا كشمسٍ إن عَلَتْ ... وافت غروباً بعده وزوالا .
كم خيَّبت أملاً وأتبعت الرجا ... بأساً وغادرت المَصونَ مُذالا .
تسري بنا الآمالُ فيها غِرّةً ... فيُزيرُنا ذاك السُّرى الآجالا .
تبًّا لها من غفلةٍ فإلى متى ... نرجو البقاءَ فنُرجئ الأعمالا .
أوما ترى فعلَ المنون بغيرنا ... نادتهُمُ فتتابعوا أرسالا .
سيَما لمن قد جاز معترك الردى ... فغدا لقطب رحا المنون ثِفالا .
عجباً لبالٍ في غدٍ تحت الثرى ... أنَّى يُرى في اليوم يَنْعَم بالا .
كم تخطئ الأسقامُ من أضحى لها ... هدفاً وقد بعثتْ إليه نبالا .
سيَّان من نزل القبورَ اليوم وال ... سَّفْرُ الذين غدوا غداً نُزّالا .
مع أنهم قطعوا الطريق وخلَّفوا ... للخالفِ الأوجاعَ والأوجالا .
فأعاننا الربُّ الرحيم على مدًى ... بلغوا وأحسنَ للجميع مآلا .
وسقتهُ من عفوِ الإله سحائبٌ ... يتلو سُرى غدواتها الآصالا .
الكاتب البغدادي .
علي بن محمد بن عبد الجبار أبو الحسن الكاتب البغدادي توفي يوم السبت لثلاث بقين من صفر سنة ستّ عشرة وأربع مائة . من شعره : .
رَنَتْ إليَّ بعين الريمِ والتفتت ... بجيده وثنت من قَدِّها ألفا .
فخِلتُ بدر الدُّجى يسري على غُصُنٍ ... هزّته ريح الصَّبا فاهتزَّ وانعطفا .
وأبصَرتْ مقلتي ترنو مُسارقةً ... إلى سواها فعضَّت كفَّها أسفا .
ثمَّ انثنت كالرشا المذعور نافرةً ... ووردُ وجنتها بالغيظ قد قُطفا