تقول : يا نِعمَ قومي كي ترى عجباً ... هذا الذي يدّعي التهيام والشغفا .
يريد منّا الوفا والغدرُ شيمتُه ... هيهات أن يتأتّى للغَدور وفا .
ومنه : .
قالت : أنِمْتَ ؟ فقلت : لا قالت : بلى ... هذا الخيال بما فعلتَ خبيرُ .
قلتُ : الخيالُ أتى خيالي زائراً ... أينامُ صبٌّ هائمٌ مهجورُ ؟ .
فالصدُّ يمنعه الصدودُ من الكرى ... والوصلُ يمنعه الرقادَ سرورُ .
قلت في ترجمة تاج الدين عبد الباقي اليمني : له شيءٌ من هذا المعنى وهو أحسن من هذا . قال محبُّ الدين بن النجَّار : أنبأنا أبو القاسم الحذَّاء عن أبي غالب الذهلي قال : ثنا أبو بكر الخطيب قال : أنشدني أبو الحسن عليّ بن محمد ابن عبد الجبار قال : أُريتُ في منامي كأنِّي دخلتُ دار عضد الدولة ووصلت إلى الصُّفَّة الكبيرة التي على البستان فرأيته جالساً في صدرها وبين يديه أبو عبد الله بن المنجّم وهو يغنِّي ؛ فقال لي عضد الدولة : كيف تراه يغنِّي ؟ طيباً ؟ فقلت : نعم . فقال : فاعمل له قطعة يغنِّيها فانصرفت من حضرته وجلست على طرف البستان ومعي دواة وكاغد لأعمل . وبدأت لأفكر فإذا شيخٌ قد وافاني من عنده وعليه رداء فقال : ماذا تصنع ؟ قلت : أعمل قطعة لأبي عبد الله بن المنجّم يغنِّي بها . فقال : فنتعاون عليها . فقلت : افعل . فقال : إن شئت أن تعمل الصدور وأعمل الأعجاز فقال : افعل . فبدأت وقلت : .
فبتنا وسادانا ذراعٌ ومِعصمٌ .
فقال في الحال : .
وعَضْدٌ على عَضْدٍ وخدٌّ على خدِّ .
فقلت : .
نكُرُّ التشاكي في حديثٍ كأنَّهُ .
فقال في الحال : .
تِساقُطُ دُرِّ العِقْد أو عنبرِ الهِنْدِ .
فقلت : .
وقد لفَّ جيدينا عناقٌ مُضَيَّقٌ .
فقال : .
فلم تدرِ عينٌ أَيُّنا لابسُ العقدِ .
فقلت : .
أضنُّ على بدر السماء بوجهها .
فقال : .
وأستُره من أن يلاحظهُ جهدي .
ثمَّ قال : ألست تعلم أنَّ قولك هذا في النوم ؟ فقلت : بلى . فقال : كرِّرْها حتَّى تحفظها حتَّى تُثبتها إِذا انتبهتَ ولا تنساها وأخذ الرقعة بيده وطفِقتُ أقرأُها عليه مرَّاتٍ حتَّى حفظتها ثمَّ انتبهت فعملت لها أوَّلاً وصرَّعاً وهو : .
بنفسي التي للشوق زارت بلا وعدِ ... تسير من الواشين في غابَةِ الأُسْدِ .
وبعدُ الأَبيات : .
إلى أن ثنتْ ريحُ الصَّبا من خمارها ... فأبصرَ أبهى منه منها بلا حمدِ .
ولم أدرِ أنَّ البدرَ أمسى متيَّماً ... يجنُّ بها ما في حشاي من الوجدِ .
وكنتُ مَرُوعاً فيه يفضحُ سِرَّنا ... ولم أدرِ أنَّ البدرَ يُفضح مِن عندي .
ابن دينار الكاتب .
علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار الكاتب أبو الحسين البصري الواسطي . سمع أبا بكر بن مِقسَم ولقي المتنبي وسمع من ديوانه ومدحه بقصيدة أولها : .
ربَّ القريض إليك الحَلُ والرِحَلُ ... ضاقت إلى العلم إلاَّ نحوَك السُّبُلُ .
تضاءلَ الشعراءُ اليومَ عند فتًى ... صِعابُ كلِّ قريضٍ عنده ذُلُلُ .
وكان شاعراً مُجيداً شارك المتنبي في أكثر ممدوحيه كسيف الدولة وابن العميد . وكان حسن الخط على طريقة ابن مقلة . مات سنة تسع وأربع مائة . وأخذ الناس عنه ورووا ومما رواه : كتاب الجمهرة لابن دُريد عن أبي الفتح عبيد الله بن أحمد جَخجَخ النحوي عن ابن دُريد ؛ وروى غير ذلك . وأخذ عن أبي سعيد السيرافي والفارسي أبي علي وقرأ على الأصبهاني جميع كتاب الأغاني . وكان مولده سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة .
علم الدين السَّخاوي الشافعي المقرئ النحوي .
علي بن محمد بن عبد الصمد العلاّمة علم الدين أبو الحسن الهَمْداني السَّخاوي المصري شيخ القرّاء بدمشق . ولد سنة ثمانٍ أو تسع و خمسين و خمس مائة وتوُفي بدمشق ليلة الأحد ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وست مائة . ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه : .
قالوا : غداً نأتي ديارَ الحمى ... وينزل الركب بمغناهمُ .
وكلُّ من كان مُطيعاً لهُمْ ... أصبح مسروراً بلُقياهمُ .
قلتُ : فلي ذنب فما حيلتي ... بأيِّ وجه أتلقّاهمُ