تخُرُّ فيه المياه مطربةً ... كأنَّها في السماع ألحانُ .
فأرضه روضةٌ مُنَوَّرةٌ ... دارتْ بها للرُّخام غُدرانُ .
أو وَجَناتٌ غُرٌّ تلوح بها ... من سود تلك الفصوص خيلانُ .
أوافِقٌ زُهْرُهُ أزاهرَهُ ... لكنّها لؤلؤٌ ومَرجانُ .
له جناحان من هنا وهنا ... زاداهُ حسناً بحْرٌ وبستانُ .
ذا ترقص السُّفْنُ في ذراه إِذا ... حُرِّكَ من ذا للوُرقِ عيدانُ .
وقد بدت كالطاووس في حللِ ال ... وشيِ سقوفٌ له وأركانُ .
دارت عليه لحسنهِ وعلتْ ... فهي عقودٌ له وتيجانُ .
كأنما قائمُ الرُّخامِ بهِ ... في خدمة الجالسين غِلمانُ .
أو حِبَرٌ أُلِّفَتْ ونوّعها ال ... راقمُ حُسناً فهنَّ ألوانُ .
أو شجرٌ أسْبَلَتْ خمائلها ... فما لها في العيان أغصانُ .
أنشأه للأضياف مالكهُ ... فكمَّل الحُسْنَ فيه إحسانُ .
يستقبل الوفد قبل رؤيته ال ... بِشرُ فقل جنةٌ ورضوانُ .
فجاء فرداً كبيته أرِجاً ... كذكرهم مشرقاً كما كانوا .
أحيا عليٌّ آثارهم فبهِ ... بان سنا مجدهم وقد بانوا .
صَدْرٌ رحيبٌ وملتقًى حَسَنٌ ... ونائلٌ كالغمام هتّانُ .
بنى فعلَّى لكن تقًى وندًى ... فلا وهي من عُلاه بُنيانُ .
ودام يجني ثمارَ أنعُمهِ ... فالشكر نَوْرٌ والجود أفنانُ .
وأنشدني أيضاً لنفسه إجازةً قال يرثي علاء الدين المذكور وكتب بذلك إلى ناصر الدين شافع رحمهم الله أجمعين : .
الله أكبرُ أيُّ ظلِّ زالا ... عن آمليه وأيُّ طَود مالا .
أنعى إلى الناس المكارم والندى ... والجود والإحسان والإفضالا .
أنعى علاءَ الدين صدرَ زمانهِ ... خَلْقاً وخُلْقاً بارعاً وجلالا .
ومهذّباً ملأ القلوبَ مهابةً ... والسمعَ وصفاً والأكفَّ نوالا .
حاز الرئاسة فاغتدى فيهابهُ ... أهلُ المفاخر تضرب الأمثالا .
وحوى من الآداب ما أضحى به ... أهل البيان على علاه عيالا .
طلقُ المحيّا لو يقابل وجهَهُ ... الأنواءُ ظلَّ جَهامُها هطّالا .
متمكنٌ من عقله فكأنَّهُ ... قد شَدَّ فيه عن الهنات عِقالا .
رَحب الندى تُنسي بشاشةُ وجهه ... ما زاده أوطانه والآلا .
طرقته أيدي الحادثات فزحزحت ... منهُ مآلاً للعُفاة ومالا .
وسطتْ على الشرف الرفيع فقلَّصت ... عن ذلك الحَرَم المنيع ظلالا .
فُجِعَت يتامى من ذؤابة هاشمٍ ... أمسى أباً لهمُ وإن يكُ خالا .
فقدت أيامهم بفقدِ عليِّهم ... وكذا اليتامى عِصمةً وثِمالا .
ونضت ملاءةَ كلِّ مكرُمةٍ ضَفَتْ ... عنها فعاد لباسُها الأسمالا .
وأعادت المجد المؤثَّلَ بَعدهُ ... كانا غديرَ حياً فعادا آلا .
من للسماحة والفصاحة بَعدهُ ... قولاً يقال وكان قبلُ فِعالا .
من للوجاهة والنباهة بعدهُ ... إن جال في نادي الندى أو قالا .
من للفتوة والمروءة أزمعا ... لمّا ترحَّل بعدهُ التَّرحالا .
من للكتابة حين أضحى جيدُها ال ... حالي بِدُرِّ بيانهِ مِعْطالا .
قد كان فارسها الذي بيراعهِ ... كم راع قبلُ أسنَّةً ونصالا .
وجوادَها إن رام سبقاً حازهُ ... فيها وقَرْطَسَ إن أراد نضالا .
وخطيبها ما أمَّ مِنبر كفِّهِ ... قلمٌ فغادر للأنام مقالا .
من للبلاغة رامها من بعدهِ ... كُلٌّ وكانت كالنجوم منالا