وكان يحفظ من النحو واللغة شيئاً كثيراً وكان في الفقه والفرائض والشروط غاية . واشتهر بالكلام والمنطق والهندسة وكان في الهيئة قدوة وكان له غلام يؤثره على غيره من غلمانه يسمى نسيماً فكتب إلى القاضي بعض أصحابه : من الرمل .
هل علي لامه مدغمة ... لاضطرار الوزن في ميم نسيم ؟ .
فوقع تحته : نعم ولم لا ؟ ! .
ومن شعره : من الطويل .
وليلة مشتاق كأن نجومها ... قد اغتصبت عيني الكرى فهي نوم .
كأن عيون الساهرين لطولها ... إذا شخصت للأنجم الزهر أنجم .
كأن سواد الليل والفجر ضاحك ... يلوح ويخفى أسود يتبسم .
ومنه : من البسيط .
عهدي بها وضياء الصبح يطفئها ... كالسرج تطفأ أو كالأعين العور .
أعجب به حين وافى وهي نيرة ... فظل يطمس منها النور بالنور .
ومنه : من الكامل .
لم أنس دجلة والدجى متصوب ... والبدر في أفق السماء مغرب .
فكأنه فيها بساط أزرق ... وكأنه فيها طراز مذهب .
ومنه : من المنسرح .
فحم كيوم الفراق نشعله ... نار كنار الفراق في الكبد .
أسود قد صار تحت حمرتها ... مثل العيون اكتحلن بالرمد .
ومنه في مليح جسيم : من البسيط .
من أين أستر وجدي وهو منهتك ... ما للمتيم في فتك الهوى درك ؟ .
قالوا : عشقت عظيم الجسم قلت لهم : ... الشمس أعظم جرم حازه الفلك .
ومنه : من المنسرح .
لم أنس شمس الضحى تطالعني ... ونحن من رقبة على فرق .
وجفن عيني بدمعه شرق ... لما بدت في معصفر شرق .
كأنما أدمعي ووجنتها ... لما رمتنا الوشاة بالحدق .
ثم تغطت بكمها خجلاً ... كالشمس غابت في حمرة الشفق .
ومنه : من السريع .
فديت عينيك وإن كانتا ... لم تبقيا من جسدي شيئا .
إلا خيالاً لو تأملته ... في الشمس لم تبصر له فيئا .
ومنه في الناعورة : من الكامل .
باتت تئن وما بها وجدي ... وحننت من وجد إلى نجد .
فدموعها تحيا الرياض بها ... ودموع عيني قرحت خدي .
ومنه : من الطويل .
تخير إذا ما كنت في الأمر مرسلاً ... فمبلغ آراء الرجال رسولها .
ورد وفكر في الكتاب فإنما ... بأطراف أقلام الرجال عقولها .
ومنه : من الكامل .
وبدت نجوم الليل من خلل الدجى ... تدنو كما يتفتح النوار .
أقبلن والمريخ في أوساطها ... مثل الدراهم وسطها دينار .
والجو تجلوه النجوم على الدجا ... في قمص وشي ما لها أزرار .
وكأنما الجوزا وشاح خريدة ... والنجم تاج والوشاح خمار .
وقال منصور الخالدي : كنت ليلة عند التنوخي في ضيافة فأعفى إعفاءه فخرجت منه ريح فضحك بعض القوم فانتبه بضحكة وقال : لعل ريحاً فسكتنا من هيبته فسكت ساعة ثم قال : من الطويل .
إذا نامت العينان من متيقظ ... تراخت بلا شك تساريج فقحته .
فمن كان ذا عقل فيعذر نائماً ... ومن كان ذا جهل ففي جوف لحيته .
وقال التنوخي راداً على ابن المعتز في قصيدته التي يفخر فيها ببني العباس على آل أبي طالب وأولها : من الطويل .
أبى الله إلا ما ترون فما لكم ... غضابى على الأقدار يا آل طالب .
وأبيات التنوخي : من الطويل .
من ابن رسول الله وابن وصيه ... إلى مدغل في عقدة الدين ناصب .
نشأ بين طنبور وزق ومزهر ... وفي حجر شاد أو على ظهر ضارب .
ومن ظهر سكران إلى بطن قينه ... على شبه في ملكها وشوائب .
يقول فيها : .
وقلت : بنو حرب كسوكم عمائماً ... من الضرب في الهامات حمر الذوائب .
صدقت منايانا السيوف وإنما ... تموتون فوق الفرش موت الكواعب .
ونحن الأولى لا يسرح الذم بيننا ... ولا تدري أعراضنا بالمعايب .
إذا ما انتدوا كانوا شموس نديهم ... وإن ركبوا كانوا بدور الركائب