علي بن العباس النوبختي . كان وكيل المقتدر فيما يريدون بيعه من الضياع وحق بيت المال . وكان فاضلاً أديباً شاعراً محسناً راوية للأخبار والأشعار . روى عن البحتري وابن الرومي وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاث مائة . كان مع جماعة من أهله على سطح أبي سهل النوبختي في ليلة من ليالي النصف يشربون ومعهم إبراهيم بن القاسم بن زرزر المغني وكان أمرد حسن الوجه . وكان في السماء غيم ينجاب مرة ويتصل أخرى فانجاب الغيم عن القمر فانبسط فقال علي بن العباس وأقبل على إبراهيم : من البسيط .
لم يطلع البدر إلا من تشوقه ... إليك حتى يوافي وجهك النظرا .
ولم يتم البيت حتى غاب القمر تحت الغيم فقال : .
ولا تغيب إلا عند خجلته ... لما رآك فولى عنك واستترا .
وكتب لابن عمه أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي وقد شرب دواءً : من المنسرح .
يا محيي العارفات والكرم ... وقاتل الحادثات والعدم .
كيف رأيت الدواء أعقبك الله شفاء به من السقم .
إذا تخطت إليك نائبة ... حطت بقلبي ثقلاً من الألم .
شربت هذا الدواء مرتجياً ... دفع أذى من عطائك العظم .
والدهر لا بد محدث طبعاً ... في صفحتي كل صارم خذم .
وكان ابنه مدبر دولة ابن رائق .
ابن الرومي الشاعر علي بن العباس بن جريج أبو الحسن ابن الرومي شاعر وقته هو والبحتري في بغداد . توفي في حدود التسعين ومائتين . كان شديد التطير أسبخ منهوماً في الأكل جعلياً فكان يغلق أبوابه ولا يخرج إلى أحد خوفاً من التطير . فأراد بعض أصحابه أن يحضر إليهم في يوم أنس فسيروا إليه غلاماً نظيف الثوب طيب الرائحة حسن الوجه فتوجه إليه فلما طرق الباب عليه وخرج له أعجبه حاله ثم سأله عن اسمه فقال له : إقبال فقال : إقبال مقلوبه لا بقاء ودخل وأغلق الباب وجهز إليه يوماً غلام آخر وأزاحوا جميع ما يخشاه فإذا خرج ومر معه كان على بابه دكان خياط وقد صلب درابتي الباب وهو يأكل تمراً فقال : هاتان الدرابتان مثل : لا وتمر هذا معناه : لا تمر فرجع وأغلق الباب ولم يتوجه إليهم .
وقد تقدم في ذكر الأخفش على ما يتعلق بابن الرومي معه في الطيرة وعبثه به . وكان سبب موته أن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب يخاف هجوه وفلتات لسانه بالفحش فدس عليه ابن فراش فأطعمه خشكنانجة مسمومة وهو في مجلسه فلما أكلها أحس بالسم فقام فقال له الوزير : أين تذهب ؟ فقال : إلى الموضع الذي بعثتني إليه فقال له : سلم على والدي فقال : ما طريقي على النار . وخرج من عنده وأتى منزله وأقام به أياماً ومات .
وكان وسخ الثوب قال أبو عثمان الناجم : دخلت على ابن الرومي أعوده فوجدته يجود بنفسه فلما قمت من عنده قال لي : من الوافر .
أبا عثمان أنت حميد قومك ... وجودك للعشيرة دون لومك .
تزود من أخيك فما أراه ... يراك ولا تراه بعد يومك .
وقيل أن الطبيب كان يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فزعم أنه غلط عليه في عقار فقال إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه : رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت له : ما حالك ؟ فأنشد : من الكامل .
غلط الطبيب علي غلطة مورد ... عجزت موارده عن الإصدار .
والناس يلحون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدار .
وابن الرومي من الشعراء الفحول المطولين الغواصين على المعاني . كان إذا أخذ المعنى لا يزال يستقصى فيه حتى لا يدع فيه فضلهً ولا بقيّة . فربما سمج بعض الأوقات . ومعانيه غريبة جيدة وكان إذا أعجبه المعنى كرره في عدة مواضع في قواف مختلفة وقال الخالديان : لم نر كابن الرومي إذا انفرد بالمعنى جوده وإذا تناوله من غير قصر فيه . قلت أنا : العلة فيه أنه شاعر فحل فإذا أخذ بكراً جوده وأتى فيه بأجود ما يقال وهو لا يأخذ إلا من فحلٍ مثله ويكون ذلك قد أخذ المعنى بكراً فذهب بجيده وترك رويه . وقد بالغ ابن سناء الملك C حيث أجاب القاضي الفاضل وقد أمره باختيار شعر ابن الرومي فقال :