أيها الذئب وابنه وأبوه ... أنت عندي من أذؤب ضاريات .
قال سلمة : كان عند المهدي ولد يؤدب ولده الرشيد فدعاه المهدي يوماً وهو يستاك فقال له : كيف تأمر من السواك ؟ فقال : إستك يا أمير المؤمنين فقال المهدي : " إنا لله وإنا إليه راجعون " . ثم قال التمسوا لنا من هو أفهم من هذا . فقالوا : رجل يقال له علي بن حمزة الكسائي من أهل الكوفة قدم من البادية قريباً فأمر بإحضاره من الكوفة . فساعة دخل عليه قال له : يا علي بن حمزة قال : لبيك يا أمير المؤمنين . قال : كيف تأمر من السواك ؟ قال : سك يا أمير المؤمنين قال : أحسنت وأصبت وأمر له بعشرة آلاف درهم .
وقال الكسائي : حججت مع الرشيد فقدمت لبعض الصلوات فصليت فقرأت : " ذرية ضعافاً خافوا عليهم " فأملت ضعافاً . فلما سلمت ضربوني بالأيدي والنعال وغير ذلك حتى غشي علي واتصل الخبر بالرشيد فوجه بمن استنفذني . فلما جئته قال لي : ما شأنك ؟ فقلت : قرأت لهم ببعض قراءات حمزة الرديئة ففعلوا بي ما بلغ أمير المؤمنين فقال : بئس ما صنعت . ثم إن الكسائي ترك كثيراً من قراءات حمزة .
وقال : أحضرني الرشيد سنة اثنتين وثمانين ومائة وأخرج إلي محمد الأمين وعبد الله المأمون كأنهما بدران فقال : امتحنهما بشيء . فما سألتهما عن شيء إلا أحسنا الجواب عنه فقال لي : كيف تراهما ؟ فقلت : من الطويل .
أرى قمري أفق وفرعي بشامة ... يزينهما عرق كريم ومحتد .
يسدان آفاق السماء بهمة ... يؤيدهما حزم ورأي وسؤدد .
سليلي أمير المؤمنين وحائزي ... مواريث ما أبقى النبي محمد .
حياة وخصب للولي ورحمة ... وحرب لأعداء وسيف مهند .
ثم قلت : فرع زكا أصله وطاب مغرسه وتمكنت فروعه وعذبت مشاربه وأوراق غصنه وأينع ثمره وزكا فرعه إذا هما ملك أغر نافذ الأمر واسع العلم عظيم الحلم . أعلاهما فعلوا وسما بهما فسموا فهما يتطاولان بطولة ويستضيئان بنوره وينطقان بلسانه فأمتع الله أمير المؤمنين بهما وبلغه الأمل فيهما فقال الرشيد : تعهدهما . فكنت أختلف إليهما في الأسبوع طرفي نهارهما . ومن شعر الكسائي : من الرمل .
إنما النحو قياس يتبع ... وبه في كل أمر ينتفع .
فإذا ما أبصر النحو الفتى ... مر في المنطق مراً فاتسع .
فاتقاه كل من جالسه ... من جليس ناطق أو مستمع .
وإذا لم يبصر النحو الفتى ... هاب أن ينطق حيناً فانقطع .
فتراه يرفع النصب وما ... كان من خفض ومن نصب رفع .
يقرأ القرآن لا يعرف ما ... صرف الإعراب فيه وصنع .
والذي يعرفه يقرأه ... فإذ ما شك في حرف رجع .
ناظراً فيه وفي إعرابه ... فإذا ما عرف اللحن صدع .
كم وضيع رفع النحو وكم ... من شريف قد رأيناه وضع .
فهما فيه سواء عندكم ... ليست السنة فينا كالبدع .
وحضر مجلس الكسائي أعرابي وهم يتحاورون في النحو فأعجبه ذلك . ثم تناظروا في التصريف فلم يهتد إلى ما يقولون ففارقهم وقال : من البسيط .
ما زال أخذهم في النحو يعجبني ... حتى تعاطوا كلام الزنج والروم .
بمفعلٍ فعل لا طاب من كلمٍ ... كأنه زجل الغربان والبوم .
وله من التصانيف : كتاب معاني القرآن كتاب مختصر في النحو كتاب القراءات كتاب العدد كتاب النوادر الكبير كتاب النوادر الأوسط كتاب النوادر الصغير كتاب اختلاف العدد كتاب الهجاء كتاب مقطوع القرآن وموصوله كتاب المصادر كتاب الحروف كتاب أشعار المعاياه وطرائقها كتاب الهاءات المكني بها في القرآن .
وقال المنذري : أسمعني أبو بكر عن بعض مشايخه أن الكسائي كان يقوم في المحراب يؤم فتشذ عليه القراءة حتى لا يقوم بقراءة " الحمد لله رب العالمين " ثم ينحرف فيقبل عليهم فيملي القرآن حفظاً وتفسيره بمعانيه . وقال أبو محمد اليزيدي يرثيه ويرثي محمد بن الحسن : من الطويل .
تصرمت الدنيا فليس خلود ... وما قد ترى من بهجة ستبيد .
سيفنيك ما أفنى القرون التي مضت ... فكن مستعداً فالفناء عتيد