وأنال الخلافة ! .
وقال مصعب : منيتي أن أملك العراقين وأجمع بين عقيلتي قريش سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة ! .
وقال عبد الملك بن مروان : منيتي أن أملك الأرض كلها وأخلف معاوية ! .
فقال عروة : لست في شيء مما أنتم فيه ! .
منيتي الزهد في الدنيا والفوز في الآخرة وأكون ممن يروى عنه هذا العلم ! .
فبلغ كل مناه ! .
فكان عبد الملك بن مروان بعد ذلك يقول : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة ! .
وقدم عروة على الوليد بن عبد الملك فلما كان في وادي القرى وقعت في رجله قرحة فأشاروا عليه في مجلس الوليد بأن يقطعها وإلا أفسدت جميع جسدك ! .
فدعي الجزار ليقطعها وقالوا : نسقيك الخمر حتى لا تجد ألماً ! .
فقال : لا أستعين بحرام الله على ما أرجوه من عافيته ! .
فقالوا : نسقيك مرقداً ! .
فقال : ما أحب أن أسلب عضواً من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك فأحتسبه ! .
ودخل عليه قوم أنكرهم فقال : ما هؤلاء ؟ قالوا : يمسكونك فإن الألم ربما عزب معه الصبر ! .
فقال : أرجو أن أكفيكم ذلك من نفسي ! .
فقطعت ركبته بالسكين في مجلس الوليد والوليد مشغول عنه بمن يحدثه ولم يدر الوليد بقطعها حتى شم رائحة الكي بالنار ! .
هكذا ذكر القتيبي . وقال غيره ؛ قال : دعوني أصلي فإنه كان إذا صلى اشتغل عن نفسه بالصلاة ! .
فقطعت وهو يصلي ! .
وقيل إنها قطعت بالمنشار وأغلي له الزيت فحسم به فغشي عليه فلما أفاق وهو يمسح العرق قال : " لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " . وما ترك ورده تلك الليلة . ودخل ابنه محمد ؛ وكان يدعى زين المواكب لحسنه ؛ إسطبل الوليد فرفسته دابة فقتلته وعروة لا يعلم فأتاه صديق له يزهده في الدنيا ويذكره الموت ويرغبه في الآخرة فظن عروة إنما يعزيه عما ابتلي به في جسده فذكر له موت محمد ولده ؛ فاسترجع وأنشأ يقول : .
وكنت إذا الأيام أحدثن نكبة ... أقول شوى ما لم يصبن صميمي .
وتمثل بأبيات معن بن أوس : .
لعمري ما أهديت كفي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رجلي .
ولا قادني سمعي ولا بنصري لها ... ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي .
وأعلم أني لم تصبني مصيبة ... من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي .
ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : وعزتك لئن كنت ابتليت لقد عافيت ولئن كنت قد أخذت لقد أبقيت أخذت واحداً وأبقيت لي ستة وأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثاً ! .
فلما ارتحل إلى المدينة وشارفها لقيته أشراف قريش والأنصار وأهل المدينة فمن بين باك ومعز ومهن فما سمع من كلامه إلا قوله : أيها الناي ! .
من كان يريدني للصراع والسباق فقد أودى ومن كان يريدني للعلم والجاه فقد أبقى الله خيراً كثيراً . ولقد أحسن الله إلي وهب لي سبع بنين فمتعني بهم ما شاء ثم أخذ واحداً وأبقى لي ستة ووهب لي يدين ورجلين فمتعني بهن ما شاء ثم أخذ منهن واحدة وأبقى لي ثلاثاً فلله الحمد .
وذكر ابن عساكر في تاريخه عند ذكر المجهولين أن رجلاً من بني عبس وفد على الوليد بن عبد الملك للخؤولة فسأله عن حاله وعن سبب ذهاب عينيه فقال : ما كان في الأرض عبسي أكثر مني مالاً وولداً وأهلاً فأتى السيل ليلاً فلم يبق لي مالاً ولا أهلاً ولا ولداً إلا ذهب به إلا بنياً لي صغيراً وبعيراً فحملت الصبي وند البعير فوضعت الصبي وتبعت البعير فنفحني برجله ففقأ عيني ورجعت إلى ولدي فإذا الذئب يلغ في بطنه ! .
فقال الوليد : إذهبوا بهذا إلى عروة بن الزبير ليعلم أن في الدنيا من هو أعظم مصيبة منه ! .
أبو عامر الليثي .
عروة بن أذينة . أذينة لقب واسمه يحيى بن مالك . أبو عامر . الليثي . الشاعر الحجازي المشهور . سمع ابن عمر وروى عنه مالك في الموطأ . وكان من فحول الشعراء . قال أبو داود : لا أعلم له إلا حديثاً واحداً . وتوفي في حدود الثلاثين ومائة . ومن شعره : .
لقد علمت وما الإسراف من خلقي ... أن الذي هو رزقي سوف يأتيني .
أسعى له فيعنيني تطلبه ... ولو قعدت أتاني لا يعنيني .
فإن حظ امرئ غيري سيبلغه ... لا بد لا بد أن يجتازه دوني .
لا خير في طمع يدني لمنقصة ... وعفة من عفاف العيش تكفيني .
لا أركب الأمر تزري بي عواقبه ... ولا يعاب به عرضي ولا ديني