أما الأمان فقد سبق لك . ولكن والله لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبداً ! .
فعاد ابن قيس إلى عبد الله بن جعفر وقال له : وما ينفعني أماني تركت حياً كميت لا آخذ عطاء ! .
فقال له عبد الله : كم سنك ؟ قال : ستون سنة . قال : فعمر نفسك فقال : عشرين سنة أخرى ! .
قال : كم عطاؤك ؟ قال : ألفان ! .
فأمر له عبد الله بأربعين ألفاً وقال : ذلك علي حتى تموت على تعميرك نفسك فقال يمدحه : .
تقدت بي الشهباء نحو ابن جعفر ... سواء عليها ليلها ونهارها .
تزور امرءاً قد يعلم الله أنه ... تجود له كف قليل غرارها .
أتيناك نثني بالذي أنت أهله ... عليك كما أثنى على الروض جارها .
ووالله لولا أن تزور ابن جعفر ... لكان قليلاً في دمشق قرارها .
إذا مت لم يوصل صديق ولم ... يقم طريق من المعروف أنت منارها .
ذكرتك أن فاض الفرات بأرضنا ... وفاض بأعلى الرقمتين بحارها .
وعندي مما خول الله هجمة ... عطاؤك منها شولها وعشارها .
مباركة كانت عطاء مبارك ... تمانح كبراها وتنمي صغارها .
قلت : وقوله تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي... البيت وهو من عويص النحو ومما يمتحن بإعرابه وذلك أنه لم يجر العقيلة بإضافة خدام إليها ولا جر العذراء على أنها صفة للعقيلة وإنما رفعهما ووجه إعرابه : إن الشاعر حذف التنوين من خدام وهو منون مجرور والعقيلة العذراء : فاعل تبدي وتقديره : وتبدي العقيلة العذراء عن خدام وهو الخلخال . وإنما حذف التنوين لالتقاء الساكنين بينه وبين لام العقيلة ومثله ما أنشده سيبويه : .
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا .
فجر الراء ونصب الجلالة لأنه مفعول ذاكر الذي هو اسم فاعل من الذكر فحذف التنوين لالقتاء الساكنين ومثله قول الآخر : .
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... ورجال مكة مسنتون عجاف .
أراد عمرو الذي بتنوين الراء من عمرو فحذفه لالتقاء الساكنين . ومثله قول الشاعر : .
فلست بآتيه ولا أستطيعه ... ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل .
يريد : ولكن اسقني فحذف النون لالقتاء الساكنين .
حفيد البيهقي .
عبيد الله بن محمد بن أحمد بن الحسين بن علي بن موسى . أبو الحسن ابن أبي عبد الله ابن أبي بكر البيهقي . كان جده من أئمة الحديث الأعلام وتقدم ذكره . وهذا أبو الحسن لم يعرف شيئاً ولكنه سمع كثيراً من جده من مصنفاته وسمع من أبي سعد أحمد بن إبراهيم المقرئ وأبي يعلى إسحاق ابن عبد الرحمن الصابوني وغيرهما . وكان يتغالى في الإجازة ؛ ويقول : ما أجيز إلا بطسوج ! .
مولده سنة تسع وأربعين وأربع ماية . وتوفي سنة ثلاث وعشرين وخمس ماية .
ابن جرو الأسدي .
عبيد الله بن محمد بن جرو الأسدي أبو القاسم . النحوي . الموصلي . سكن بغداد وسمع بها من أبي عبيد الله بن محمد بن عمران المرزباني . وقرأ الأدب على أبي سعيد السيرافي وأبي علي الفارسي وأبي الحسن الرماني وأبي بكر ابن الخراج وغيرهم . وكان حسن الخط صحيح النقل جيد الضبط . وله مصنفات في علوم القرآن والعروض والقوافي . وكان معتزلياً .
توفي سنة سبع وثمانين وثلاث ماية