فجعله الرشيد ثالثاً لهما . ثم وشى به بعد ذلك الناس وتتابعت الأخبار عنه بفساد نيته للرشيد فدخل عليه في بعض الأيام وقد امتلأ قلب الرشيد فقال : أكفراً بالنعمة وغدراً بالإمام ؟ ! .
فقال عبد الملك : قد بؤت إذا بأعباء الندم واستحلال النقم وما ذاك يا أمير المؤمنين إلا بفي حاسد نافس فيك وفي تقديم الولاية مودة القرابة يا أمير المؤمنين ! .
إنك خليفة رسول الله A في أمته وأمينه على عترته لك عليها فرض الطاعة وأداء النصيحة ولها عليك العدل في حكمها والتثبت في حادثها . فقال له الرشيد : هذا قمامة كاتبك يخبرني بفساد نيتك وسوء سيرتك ! .
قال : فأسمع كلام قمامة فلعله أعطاك ما ليس في عقده ولعله لا يقدر أن يعضهني ولا يبهتني بما لم يعرفه مني ولم يصح له عني ؟ فأمر بإحضاره فقال له الرشيد : تكلم غير خائف ولا هائب ! .
فقال : أقول إنه عازم على الغدر بك يا أمير المؤمنين والخلاف عليك ! .
فقال عبد الملك : وكيف لا يكذب علي بن خلفي من يبهتني في وجهي ؟ ! .
فقال الرشيد : فهذا عبد الرحمن ابنك يقول بقول كاتبك ويخبر عن سوء ضميرك وفساد نيتك وأنت لو أردت أن تحتج بحجة لم نجد أعدل من هذين فبم تدفعهما عنك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ! .
عبد الرحمن بين مأمور أو عاق ؛ فإن كان مأموراً فمعذور وإن كان عاقاً فهو عدو أخبر الله بعداوته وحذر منها ؛ فقال جل ثناؤه في محكم كتابه : " إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم " فنهض الرشيد وقال : أما أمرك فقد وضح ولكن لا أعجل حتى أعلم ما الذي يرضي الله فيك فإنه الحكم بيني وبينك ! .
فقال عبد الملك : رضيت بالله حكماً وبأمير المؤمنين حاكماً ! .
فإني أعلم أنه يؤثر كتاب الله على هواه وأمر الله على رضاه . ثم إنه دخل عليه في مجلس آخر وسلم فلم يرد عليه الرشيد فلم يزل يعتذر ويحتج لنفسه بالبراءة حتى أقبل عليه بوجهه وقال : ما أظن الأمر إلا كما قلت يا أبا عبد الرحمن وأنت محسد وأمير المؤمنين يعلم أنك على سريرة صالحة غير مدخولة ولا خسيسة . ثم دعا عبد الملك بشربة ماء فقال الرشيد : ما شرابك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : سحيق الطبرزد ذر بماء الرمان ! .
فقال : بخ بخ عضوان لطيفان يذهبان الظما ويلذان المذاق فقال عبد الملك : صفتك لهما يا أمير المؤمنين ألذ من فعلهما ! .
ثم إن الرشيد تنكر له بعد ذلك وحبسه عن الفضل بن الربيع وقال : أما والله لولا الإبقاء على بني هاشم لضربت عتقك ! .
ولم يزل محبوساً حتى توفي الرشيد فأطلقه الأمين وعقد له على الشام وكان مقيماً بالرقة وجعل للأمين عهد الله وميثاقه لئن قتل وهو حي لا يعطي المأمون طاعته أبداً ؛ فمات قبل قتل الأمين ودفن في دار من دور الإمارة . فمل خرج المأمون يريد الروم أرسل إلى ابن له : حول أباك عن داري فنبشت عظامه وحولت .
وكتب إلى الرشيد قبل إشخاصه إلى العراق وقد تغير عليه : .
أخلاي لي شجو وليس لكم شجو ... وكل امرئ من شجو صاحبه خلو .
من أبي نواحي الأرض أبغي رضاكم ... وأنتم أناس ما لمرضاتكم نحو .
فلا حسن نأتي به تقبلونه ... ولا إن أسأنا كان عندكم عفو .
فلما وقف عليها قال : والله إن كان قالها لقد أحسن وإن كان رواها لقد أحسن . وكتب إليه من السجن : .
قل لأمير المؤمنين الذي ... يشكره الصادر والوارد .
يا واحد الأملاك في فضله ... ما لك مثلي في الوري واحد .
إن كان لي ذنب ولا ذنب لي ... حقاً كما زعم الحاسد .
فلا يضق عفوك عني فقد ... فاز به المسلم والجاحد .
ومن شعره وهو في الحبس : .
لئن ساءني حبسي لفقد أحبتي ... وأني فيهم لا أمر ولا أحلي .
لقد سرني عزي بترك لقائهم ... وما أتشكى من حجاب ومن ذل .
ولما أخرجه الأمين من السجن دفع إليه كاتبه قمامة وابنه عبد الرحمن فقتل قمامة في حمام وهشم وجه ابنه بعمود .
المسمعي الصنعاني .
عبد الملك بن الصباح المسمعي الصنعاني . قال أبو حاتم : صالح الحديث .
توفي سنة تسع وتسعين وماية .
وروى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة .
أبو مروان الأندلسي .
عبد الملك بن طريف الأندلسي . أبو مروان . النحوي . اللغوي .
مات في حدود الأربع ماية