عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسماعيل قاضي القضاة بدمشق رفيع الدين أبو حامد الجيلي الشافعي الذي فعل بالناس تلك الأفاعيل . وكان فقيهاً فاضلاً مناظراً متكلماً متفلسفاً قدم الشام وولي القضاء ببعلبك أيام صاحبها إسماعيل الصالح ووزيره أمين الدولة السامري فلما ملك الصالح دمشق ولاه القضاء بدمشق فاتفق هو والزير المذكور في الباطن على المسلمين وكان عنده شهود زور ومن يدعي زوراً فيحضر الرجل المتمول إلى مجلسه ويدعي عليه المدعي بألف دينار أو ألفين فينكر فيحضر الشهود فيلزمه ويحكم عليه فيصالح غريمه على النصف أو أكثر أو أقل فاستبيحت أموال الناس .
قال أبو المظفر ابن الجوزي : حدثني جماعة أعيان أنه كان فاسد العقيدة دهرياً مستهتراً بأمور الشرع يجيء إلى الصلاة سكران وأن داره كانت مثل الحانة . قال الشيخ شمس الدين : بلغني أن الناس استغاثوا إلى الصلاح من الرفيع فخاف الوزير وعجل بهلاكه ليمحو التهمة عنه وقيل إن السلطان كان عرافاً بالأمور والله أعلم . وقبض على أعوان الرفيع وكبيرهم الموفق حسين بن الرواس الواسطي وسجنوا ثم عذبوا بالضرب والعصر والمصادرة ولم يزل ابن الرواس في العذاب والمصادرة إلى أن فقد . وفي ثاني عشر ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وست مائة أخرج الرفيع من داره وحبس بالمقدمية ثم أخرج ليلاً فسجن في مغارة أفقة من نواحي البقاع وقيل ألقي من شاهق وقيل بل خنق .
وقال ابن واصل : حكى لي ابن صبح بالقاهرة أنه ذهب بالرفيع إلى رأس شقيف فعرف أني أريد أن أرميه فقال : بالله عليك دعني أصلي ركعتين فأمهلته حتى صلاهما ثم رميته فهلك . ولما كثرت الشكاوي عليه أمر الوزير بكشف ما حمل إلى الخزانة وكان الوزير لا يحمل إلى الخزانة إلا القليل فقال الرفيع : الأمور عندي مضبوطة فخافه الوزير وخوف السلطان من أمر ومن عاقبته فقال له : أنت جئت به وأنت تتولى أمره أيضاً فأهلكه الوزير .
وقال ابن أبي أصيبعة : وكان من الأكابر المتميزين في الحكمة والطبيعي والطب وأصول الدين والفقه وكان فقيهاً في المدرسة العذرية وله مجلس للمشتغلين عليه وحكى من أمره ما حكى وقال : إن بعض الذين كانوا معه حكى أنه لما دفع في تلك الهوة تحطم في نزوله وكأنه تعلق في بعض جوانبها أسفل بثيابه قال : فبقينا نسمع أنينه نحو ثلاثة أيام وكلما مر يوم يضعف ويخفى حتى تحققنا موته ورجعنا عنه .
قال : ومن أعجب ما يحكى أن القاضي رفيع الدين وقف على نسخة من هذا الكتاب يعني تاريخ الأطباء وما كنت ذكرته في تلك النسخة وطالعه فلما وقف على أخبار السهروردي تأثر من ذلك فقال : ذكرت هذا وغيره أفضل منه ما ذكرته وشار إلى نفسه ثم قال : وإيش كان من حال شهاب الدين إلا أنه قتل في آخر أمره وقدر الله تعالى أن رفيع الدين قتل أيضاً .
وذكر ابن أبي أصيبعة قصيدة مدحه بها أولها : الكامل .
مجد وسعد دائم وعلاء ... أيد الزمان ورفعة وسناء .
ببقاء مولنا رفيع الدين ذي ال ... جود العميم ومن له النعماء .
عبد العزيز المنوفي .
عبد العزيز بن عبد الغني بن أبي الأفراح سرور بن أبي الرجاء سلامة بن أبي اليمن بركات بن أبي الحمد داود ويتصل بالحسن المثنى بن الحسن بن علي ابن أبي طالب الينبعي المجيد الإسكندري المولد . أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان قال : مولده سنة سبع وست مائة وأنشدنا لنفسه بجامع عمر بن العاص ثاني عشر رجب سنة ثمانين وست مائة : الطويل .
وجدت بقالي عند فقد وجودي ... فلم يبق حد جامع لحدودي .
وألفيت سري عن ضميري ملوحاً ... يرمز إشاراتي وفك قيودي .
فأصبحت مني دانياً بمعارف ... وقد كنت عني نائياً لجمودي .
ومن عين ذاك الأمر حكم مبين ... لتحقيق ميراثي وحفظ عهودي .
فمن مبتدا فرقي فتوتي ووجهتي ... إلى منتهى جمعي يكون سجودي .
وعاكف ذاتي مطلق غير مطرق ... وبادي صفاتي قد وفى بعقودي .
وإن أمرتني نشأتي غير نسبتي ... فصالح آبائي نذير ثمودي .
وإن أضرمت للحرب نار فإنني ... أقابلها من همتي بجنودي .
سألقي عصاي في رحاب نار فإنني ... أقابلها من همتي بجنودي