واتفق له في بادئ خدمته للعادل أشياء قربته من خاطره وأعلت محله عنده منها : أنه اتفق له مرض شديد وعالجه الأطباء وهو معهم فقال يوماً : لا بد من الفصد فلم ير الأطباء به فقال والله لئن لم يخرج له دماً ليخرجن بغير اختياره فاتفق أن رعف السلطان وبرئ . ومنها : أنه كان يوماً على باب دور السلطان فخرج إليهم خادم ومعه قارورة فرأوها ووصفوا لها علاجاً فأنكر هو ذلك العلاج وقال : ليس هذا دواء ويوشك أن تكون هذه القارورة من حناء اختضبت به فاعترف الخادم لهم بذلك . ومن شعره ما كتبه إلى الحكيم رشيد الدين أبي خليفة في مرضة مرضها : الكامل .
حوشيت من مرض تعاد لأجله ... وبقيت ما بقيت لنا أعراض .
إنا نعدك جوهراً في عصرنا ... وسواك إن عدوا فهم أعراض .
نقلت من خط شهاب الدين القوصي في معجمه قال : أنشدني لنفسه على بن محمد بن يوسف بن خروف النحوي يهجو الدخوار : البسيط .
لا ترجون من الدخوار منفعة ... فلو شفى علتيه العجب والعرجا .
طبيب إن رأى المطبوب طلعته ... لا يرتجي صحة منها ولا فرجا .
إذا تأمل في دستوره سحراً ... وقال : أين فلان ؟ قيل قد درجا .
فشربة دخلت مما يركبه ... جسم العليل وروح منه قد خرجا .
قال وأنشدني له فيه : البسيط .
إن الأعيرج حاز الطب أجمعه ... استغفر الله إلا العلم والعملا .
وليس يجهل شيئاً من غوامضه ... إلا الدلائل والأمراض والعللا .
في حيلة البرء قلت عنده حيل ... بعد اجتهاد ويدري للردى حيلا .
الروح يسكن جثمان العليل على ... علاته فإذا ما طبه رحلا .
قال وأنشدني له فيه : الوافر .
تجرر يا أعيرج ذيل عجب ... وتدري لوم وغد أنت نجله .
وتمشي مشية الخيلاء زهواً ... أمام السامري وأنت عجله .
قال : وأنشدني له فيه : مجزوء الكامل .
طبع المهذب طبه ... سيفاً وصال على المهج .
وعلا دمشق لسؤمه ... من كل ناحية رهج .
باب السلامة لا يرى ... منه ولا باب الفرج .
الإسنائي الصوفي .
عبد الرحيم بن علي بن هبة الله الإسنائي الصوفي . كان من أصحاب الشيخ الحسن ابن الشيخ عبد الرحيم القنائي وكان نحوياً شاعراً جمع في النحو كتاباً سماه المفيد . وتوفي سنة تسع وسبع مائة . ومن شعره : الطويل : .
أهاجك برق بالمدينة يلمع ... وبيض ثعاليل سوار وطلع .
تراهن يهمين الحيا فكأنه ... على وجنات الأرض در مرصع .
كأن ثراها عندما مسها الحيا ... سحيقة مسك نشره يتضوع .
على جنبات النهر زهر تفتقت ... لها في شعاع الشمس لون منوع .
أبو القاسم الدفاف .
عبد الرحيم بن الفضل الكوفي الدفاف أبو القاسم قيل هو عبد الرحمن بن سعد وقيل : عبد الرحيم بن الهيثم بن سعد مولى لآل الأشعث بن قيس وقيل مولى خزاعة . كان منقطعاً إلى علي بن المهدي المعروف بأمه ريطة بنت أبي العباس . غنت جارية يوماً بحضرة الرشيد : المنسرح .
قل لعلي : أيا فتى العرب ... وخير نام وخير منتسب .
أعلاك جداك يا علي إذا ... قصر جد عن ذروة النسب .
فأمر بضرب عنقها فقالت : يا سيدي ما ذنبي ؟ هذا صوت علمته والله ما أدري من قاله ولا في من قيل فعلم صدقها فقال : عمن أخذته ؟ فقالت : عن عبد الرحيم بن الدفاف فأمر به فأحضر فقال : يا عاض بظر أمه أتغني في شعر تفاخر بيني وبين أخي ؟ جردوه فجرد وضرب بين يديه خمس مائة سوط .
ابن نباتة الخطيب .
عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل ابن نباتة الأستاذ البارع البليغ الخطيب أبو يحيى الحذاقي بضم الحاء وبعد الألف قاف وحذاقة بطن من قضاعة الفارقي . قال سبط بن الجوزي : كان يحفظ نهج البلاغة وعامة ألفاظه وخطبه من معانيه . وكان من ميافارقين وولي خطابة حلب لسيف الدولة وبها اجتمع بالمتنبي . رزق السعادة في خطبه وكان رجلاً صالحاً مولده سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة وتوفي سنة أربع وسبعين وثلاث مائة وقيل مات قبل السبعين وثلاث مائة وعمر دون الأربعين وتوفي بميافارقين