وصلني كتابه فوصلني منه ما وصلني وعرفت من بلاغته ما جهلني وشربت من بحر كلامه ما شربني وأكلني وعلوت به قدراً على أنه صهوة الكلام استنزلني فإنها بدائع ما سر البلاغة قبلها بذائع ووقائع خاطر صفت صفاتها فهي التي رقته وروقته الوقائع وغرائب سهلت وجزلت فتارة أقول جرأة نبع وتارة أقول جرية نابع قد ضمن الدر - إلا أنه كما قال أبو الطيب - كلم . وأحي حي الأشواق إلا أنه كما قال أبو تمام : لو مات من شغل بالبين ما علم . ففديت يدها وقد مدت ظلاً كاد يقصر ظلاً من الخط والله قلمها الذي طال وأناف منها كأنه تحيفه القط قط .
ومنه : وما أحسب الأقلام جعلت ساجدة إلا لأن طرسه محراب ولا أنها سميت خرساً إلا قبل أن ينفث سيدنا في روعها رايع هذا الصواب ولا أنها اضطجعت في دويها إلا ليبعثها أما ينفح فيها روحه في مرقدها ولا سوددت رؤوسها إلا لأنها أعلام عباسية تداولتها الحضرة بيدها لا جرم أنها تحمي الحمى وتسفك دماً وتتشح بها يده عنانا ويرسلها فيعلم الفرسان أن في الكتاب فرساناً . ويقوم الخطباء بما كتبت فتعلم الألسنة أن في الأيدي كما في الأفواه لساناً ولقد عجبت من هذه الأقلام تجز ألسنتها قطعاً فتنطق فصيحة وتجدع أنوفها فتخرج صحيحه وتجلى مليحة وما هي إلا آية في يد سيدنا البيضاء موسوية وما مادتها في الفصاحة إلا علوية ولولا الخلق لقال علوية .
ومنه : ولو ادعى سحر البيان أنه يقضي أيسر حقوقه ويثمر ما يجب من شكر فورعه وعروقه لكنت أفضح باطل سحره وأذيقه وبال أمره وأصلب الخواطر السحارة على جذوع الأقلام وأعقد ألسنتها كما تعقد الحسرة الألسنة عن الكلام .
ومنه : كتاب كريمي من حيث النسبة إليه كلمي من حيث نسبته إلى اليد البيضاء من يديه مسيحي من حيث أنه أحيا ميت الأنس محمدي منم حيث كاد يكون بما نفثه في روعي روح القدس فلا عدمت مخاطبته التي تخلع على الأيام يوم العيد وعلى الليالي ليلة العرس . فأبقاه الله للسان العربي فلولاه كان مزوياً لا مروياً ومدحوراً لا مذخوراً ولولاه لحالت أحرفه عن حالها وأبت الفصاحة أن تكون قوائم الأحرف من آلاتها وكانت تقعد ألفه القائمة وتموت باؤه النائمة ويزيد حتى ظهر داله حتى يلحق بالرغام خدها ويغض وحتى تدرد أسنان سينه فلا يبقى لها ناجذ عليه تعض .
ومنه : وقف عليه والشكر عن المنعم به غير واقف بل وقف واستمطر منه صوب الغمام فما انقطع ولا كف وكف وأرى بنيان تبيان لو رأته المجارون لأبي بنيانهم من القواعد فجر عليهم السقف . فلله هو من بليغ أن قال فالقول عنده أكثر يوم البين من ماء الطرف . وإن رام القول غيره فهو أقل عنده يوم الحنين من ماء الطف .
ومنه من جواب الشيخ تاج الدين الكندي : وظننته وحقق الله في الظن قد ارتقى الأسباب وأخذ اللفظ من القطر والقرطاس من السحاب وآمنت بصحة رقيه وتبينت التقاطه للنجوم حين أوردها في بارع اللفظ . ونقيه قلت للجماعة كلام التاج تاج الكلام والملك في كندة وكانت أقلامها سيوفاً وسيوفها الآن أقلام .
ومنه : فوقفت منه على طرف الطرف وتحفة الطرف وكدت أعبده منه على حرف وكل جرف ذلك الحرف ولولا إشفاقي أن يفطن الدهر لمكانه من قلبي وخوفي أن أعرفه بحسنته منه فأغريه منها بدفع أوزار حربي لقلت قولاً يغض الأولين والآخرين من هذه الصناعة وأنفدت فيهم سهاماً لا تحمي شاعراً منهم صخرة وجه ولا كاتباً درع دراعه وما هي إلا آيات كل واحدة أكبر من أختها وفكر مرزوقة في أيام الجمع كلها إذا أتت الفكر أرزاقها يوم سبقها .
ومنه : كتب كريمة كادت ألفاظها تتبسم ومعانيها تتكلم وكادت حروفها تكون أناسي لعين المسار وكادت سطورها تحلي عرائس وعليها من الشكل حلي ومن النقط نثار .
ومنه : كتاب سني المعاني سني القوافي وحق سينه أن يخلص لها الإقبال والسين تصحب الفعل فتخلصه للاستقبال . وهذا أفق لا مطار فيه إلا للعقاب وابنه وبحر لا سبح فيه إلا لمن يخرج الدر من فيه ويدخل البحر في ردنه . وما عنيت هاهنا بالبحر إلا يده الكريمة فأما البحر فلم أعنه