ومنه من جملة كتاب : ثم وردت في هذه الساعة على العيون عيون موسى في ساعة بكت لها عيون أم أحمد وفي هجير ما يوقد بالنار بل النار به توقد والجو يتنفس عن صدر مسجور كصدر مهجور والحر وصاليه في نحو هذه الطريق جار ومجرور والمهامه قد نشر فيها ملاء السراب وزخر فيها بحر ماء ولد لغير رشدة وعلى غير فرش السحاب وحر الرمل قد منع حث الرمل ونحن في أكثر من جموع صفين نخاف من العطش وقعة الجمل ووردنا ماء العيون وهو كما عيون المحابر يغترف المجرم منه مثل عمله ويرسله فلا يؤدي الأمانة إلى غلله وهو مع هذا قليل كأنه مما جادت به الآماق في ساحات النفاق لا في ساعات الفراق ولو لم يكن مما جادت ما كان ملحاً طعمه نافذاً في القلوب سهمه فيا لك من ماء لا تتميز أوصافه من التراب ولا يعدو ما وصف له أهل الجحيم في قوله تعالى : " وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب " فنحن حوله كالعوائد حول المريض بل الميت يجهز للدفن ونعشه المزاد ويحفر عليه ليقوم من قبره وذلك خلاف المعتاد وفي غير من قد وأدت الأرض فاطمع فما شئت من صارخ وصارخة وابن شمس وهو وإن لم يكن من مضر فإنه ابن طابخة وكلما عصفت الرياح تعاهدها منه نافخ وقابل صفحتها من صحائف الوجوه منسوخ وناسخ وكل لسانه كسباً به الفرق وإصبع الغرق قد جفت اللهوات من الأرياق وفدي بياض الماء بسواد الأحداق وسئلت الثماد عما عندها واقتدح الحفر زندها فلا حجر يبض ولا نقد ماء ينض إنما هي يد البخيل إذا سئلت وإنما المؤودة وبيننا قتلت . فأما القلوب فقد أوقد لظى أنفاسها وسلط سلطان سوء الظن على وسواسها وخناسها ولا غرو فإن القلوب ما برحت تتبع العيون على عشقها وما برحت العيون تقودها إلى حتفها وهذه قلوبنا الآن منقادة لحكم هذه العيون منتظرة على يدها المنون إلا أن ماء قد كشف الغرب خبيئته وزعم أن الطير كان ربيئته والله ما عرفوه إلا الآن على أنه لو كان دمعاً لما بل الأجفان أو مالاً لما رفع كفة الميزان وإن امرءاً روحه في جلد غيره وهو الماء الذي في المزاد وخصمه غير نفسه وهو النار التي في غير الزناد لجدير بأن يعزى به أعزاؤه وأن يلام على مفارقة الأحباب ويقال : هذا جزاؤه . وأنا وإن كنت من الحر في أجيج ومن العرق في خليج كإنسان العين ظام ماتح غرق سابح فإني إلى أخبار حضرته أشوق مني إلا ذكر الماء على ما ذكرته من هذه الغلل وعلى ما اعترضنا في هذه الطريق من هذه الغيل ولو أنه عللني بكتاب لعلني بسحاب ولو أنه زاد طرفي سواد مداده لأعاد صبغة ما غسلته بكارة من سواده ولو أنه بعث الطيف لقدم لمسيره الطرف جواد رقاده وإن كان جواداً على النوى برقاده .
ومنه فصل من كتاب يذكر فيه الجرب : وأشكو بعد قلبي جسمي فقد ضعفت قوته وقوي ضعفه ونسجت عليه همومي ثوباً دون الثياب وشعاراً دون الشعار من الجرب الذي عادى بيني وبيني وأنتقم بيدي من جسمي وأستخدمها تحرث أرضه فإن لم يكن لأرضه عجاج فلي عجيج وإن لم يكن لي بذار فلي من الحب ثمار وإن لم يكن لي سنبلة فلي أنملة وإن لم يكن في كل سنبلة مائة حبة ففي كل أنملة مائة حبة تأكلني . وقد كنت مسالماً لأعضائي إلا سنا أقرعها فما يخلو زمن من مندماتي أو إصبعاً أعضها فما أكثر ما تأتي به الأيام من غايظاتي والآن فقد زدت على الظالم الذي يعض يديه فأنا أقرع جميع أعضائي وكلها ثنيات وأعض على جوارحي وكلها أنامل : " وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو " . والجرب هم للأجسام والهم جرب القلوب والفكر للقلب حك والحك للجسم فكر وبالله ندفع ما لا نطيق يا واهب العمر خلصه من الكدر .
ومنه يصف ما حصل له من النقرس : وجالي في النقرس إلى هذه الغاية الأرض من ذوات المحارم ما وطئتها برجلي وطرقها ضاحية مني ما كسوتها ظلي . والمملوك قد وهنت ركبتاه وضعف أطيباه وكتبت لام ألف عند قيامه رجلاه ولم يبق من نظره إلا شفافة ومن حديثه إلا حديث خرافة .
ومن كلامه في وصف المكاتبات الواردة عليه :