ومنه ما وصف به الخيام فقال : إن الخيام فقد بليت وصارت أمشاجاً ورقت فخالطت كأس الغمام مزاجاً ولقيت معنا الشدة وكانت شدتنا أن رأينا بها انفراجاً وفيها من السماء رقاع وكأنما أخذها في شق الثياب سماع وإذا هبت الرياح فهي بتقدمها وتأخرها في نزاع حثيث ونزع من الشيطان خبيث طلقتنا وهي بعد في حبالنا وظعنت وهي بعد في عقالنا إن أرسلت الريح آية ظلت أعناقها لها خاضعة وإن قعدنا فيها فعلى قارعة الطريق وهي قاعدة على طريق القارعة وإن وقعت ليلاً فما لوقعتها الخافضة الرافعة بها للدهر جراح الإبر لا تقطبها ومنها على الدهر أطلال تصدقها العين تارة وتكذبها قد فرجت سماؤها وانشقت وأذنت إربها وحقت لم يبق في أدمها بشرة تعاتب ولا في صبرها سكة تجاذب كأنها وأخواتها إذا هبت الرياح المجرمون رأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب بحيث يرى حماها نافضاً والعارض - وقد دخل عليها على الحقيقة - عارضاً فعمدها الأغصان هزها البارح وشرائطها الشرار أطاره القادح . أما إذا نشأت السحائب فسلت سيوف برقها وسلسلت سيول ودقها فإنها أمام تلك السيوف جرحى ووراء تلك السيول طرحى تود ما ود ابن نوح يوم لا عاص وتراها كبط الماء ونحن بين غريق وعائم نضربها في كل يوم فوق الحد ونأخذها في المصيف بحرب حر وفي الشتاء ببرد برد .
ومنه كتاب أصدره من بعرين وهو : المستقر ببعرين حيث أخرجت السماء أثقالها وفتحت من عز إليها أقفالها وركضت خيل الرعود لابسة من الغيم جلالها ثوب الليل بماء الغمام غسيل وشبح الظلام بسيف البرق قتيل وغراب الأفق في الجو باز لأنه في قوس قزح ناز وكأن عقارب الظلماء بالثلج أفاعي فليكن ليل السليم وكأن مواقع الرعد قواقع حلى على الغواني فهو لا نام ولا تنيم . وكأن الصباح قد ذاب في الليل قطراً وكأن البرق لما ساوى بين صدفي الليل والنهار قد قال : آتوني أفرغ عليه قطراً وقد ابتل جناح الليل المغدق فما يطير وأبطأ حمام الصبح خلاف ما يحياه في رسالة نوح فما يسير والرياح قد أعصفت فقصفت عيدان نجد ورتمها وخيولها قد ركضت في السحاب فكان البرق تحجيلها ورتمها فأما الخيام التي قد نضجت جلودها بإيقاد الشمس واسودت ثم نضجت بدموع الغمام فتراخت أجفانها بعدما اشتدت فما هي إلا أعين سال منها بالدموع كحلها وخيول دهم جل عنها بالرياح من الإطناب شكلها ولا يزال الخصام بينها وبين الأهوية إلى أن تشق الشاب من حرمها كما شقها السحاب من طربها . ونحن ندأب في عقد طنبها لندخل في عقد حسبها وهيهات سلبت في البيكار أشباحها وخرجت بالرياح أرواحها فالشمس إن طلعت ألقى الشرق جامات تقر على العيان لا دنانير أبي الطيب التي تفر من البنان وما لاذت بجانبها الرياح وأبت على الأطناب من إرسالها في عنان الجماح إلا أشبهت قطاة غرها شرك وقد علق الجناح وقداة هزها درك وقد أبت البراح وقد زادت السيول إلى أن صار هذه الخيام عليها فواقع وهمهم الرعد قارياً فاستقلت قيامها بين ساجد وراكع وأنا فيها كعثمان في داره والخطب قد أخذ في حصاره فلا يزال ويل الثبل مفرقاً ولا أزال على نفسي من السيل مخندقاً وقد رجعنا إلى النشأة الأولى فعدنا في هذا الماء علقاً ولا كفران لله فإني ملقى على طرق الطوارق ملقى ما شاب العيش من فراق يشوب بالشيب المفارق . وما كنت أخشى أن ينقلني الدهر من درجة مجانيه المقتطفة إلى مدرجة مجاريه المجتحفة ولن يرى أعجب مني ممحلاً وأنا أشكو الغدران الغادرة ومجدباً أتظلم من ظلمات الليالي الماطرة وفتح الله بعرين وإن استجن منها أسد الإسلام بعرين وأنا بريء منها بعدد رمل بيرين