وكان أسمر حسن الوجه أفلج شعره مع شحمة أذنه وفي جبهته أثر السجود وكانت قتلته سنة أربعين من الهجرة وقيل إنه قطعت يداه ورجلاه ولم يتأوه بل يتلو القرآن فلما أرادوا قطع لسانه امتنع عن إخراجه فتعبوا في ذلك فقيل له : قطعت يداك ورجلاك وما ألمت ولا امتنعت فما هذا الامتناع من قطع لسانك ؟ فقال : لئلا تفوتني تلاوة القرآن شيئاً وأنا حي فشقوا شدقه وأخرجوا لسانه بكلاب وقطعوه .
وكان السبب في قتله لعلي أن علياً لما قاتل الخوارج بالنهروان واستأصل جمهورهم ولم ينج منهم إلا اليسير انتدب له من بقاياهم عبد الرحمن بن ملجم وتعاقد الخوارج على قتل معاوية وعمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب . وخرج منهم ثلاثة نفر لذلك ودخل عبد الرحمن الكوفة واشترى لذلك سيفاً وسقاه السم فيما زعموا حتى لفظه فقيل ذلك لعلي فأحضره وقال له : لم تسقي سيفك السم ؟ قال : لعدوي وعدوك فخلى عنه وكان في خلال ذلك يأتي علياً فيسأله ويستحمله فيحمله إلى أن وقعت عينه على قدام وكانت جميلة رائعة فأحبته فخطبها فقالت : لقد آليت ألا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه فقال : ما هو ؟ قالت : ثلاثة آلاف درهم وعبد وجارية وقتل علي بن أبي طالب فقال : والله ما أتيت إلا للفتك به ولا أقدمني هذا المصر غير ذلك ولك لما رأيتك آثرت تزويجك فقالت : ليس إلا الذي قلت لك فقال : وما بغيتك أو ما يغنيني منك قتل علي وأنا أعلم أني إذا قتلته لم أفلت ؟ فقالت : إن قتلته ونجوت فهو الذي أردت تبلغ شفاء نفسي ويهنيك العيش معي وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها فقال لها : لك ما اشترطت ثم قال : الطويل .
ثلاثة آلافٍ وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المسمم .
فلا مهر أغلا من قدام وإن غلا ... ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم .
فقالت : أراني من يشد ظهرك فبعثت إلى ابن عم لها يدعى وردان بن مجالد فأجابها . ولقي ابن ملجم شبيب بن بحرة الأشجعي فقال : يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ قال : وما هو ؟ قال : تساعدني على قتل علي بن أبي طالب قال : ثكلتك أمك لقد جئت شيئاً إداً كيف تقدر على ذلك ؟ قال : إنه رجل لا حرص له ويخرج إلى المسجد منفرداً فنتمكن منه وقد كمنا له في المسجد فنقتله فإن نجونا نجونا وإن قتلنا فقد سعدنا بالذكر في الدنيا وبالجنة في الآخرة فقال : ويلك إن علياً ذو سابقة في الإسلام مع النبي A والله ما تنشرح نفسي لقتله قال : ويحك إنه حكم الرجال في دين الله وقتل إخواننا الصالحين فنقتله ببعض من قتل فلا تسكن في دينك فأجابه وأقبلا حتى دخلا على قدام وهي معتكفة في المسجد الأعظم في قبة ضربتها لنفسها فدعت لهما وأخذا سيفيهما وجلسا قبالة السدة التي يخرج منها علي فخرج إلى صلاة الصبح فبدره شبيب فضربه فأخطأه وضربه عبد الرحمن على رأسه وقال : الحكم لله يا علي لا لك ولا لأصحابك فقال علي : فزت ورب الكعبة لا يفوتنكم الكلب رشد الناس عليه من كل جانب فأخذوه وهرب شبيب خارجاً من باب كندة فقال علي : احبسوه فإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به وإن لم أمت فالأمر إلي في العفو والقصاص .
قال ابن عبد البر : اختلفوا هل ضربه في الصلاة أو قبل الدخول فيها وهل استخلف من أتم بهم الصلاة أو هو أتمها والأكثر أنه استخلف جعدة بن هبيرة فصلى بهم تلك الصلاة والله أعلم .
وعن عثمان بن صهيب عن أبيه أن رسول الله A قال لعلي : من أشقى الأولين ؟ قال : الذي عقر الناقة قال : فمن أشقى الآخرين ؟ قال : لا أدري قال : الذي يضربك على هذا يعني يافوخه فيخضب هذه يعني لحيته . وكان علي إذا رأى ابن ملجم قال : الوافر .
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيرك من خليلك من مراد .
وكان علي كثيراً ما يقول ما يمنع أشقاها أن يخضب هذه من هذا ويشير إلى لحيته ورأسه خضاب دم لا خضاب عطر وعبير . وعن سكين بن عبد العزيز أنه سمع أباه يقول : جاء عبد الرحمن بن ملجم يستحمل علياً فحمله ثم قال : الوافر .
أريد حباءه ويريد قتلي ... عذيري من خليلي من مراد