وقيل إن رجلاً ممن كان له علم رأي فيه علامة فقال له : إن أمر الأندلس صائر إليك فهو الذي حثه على التوجه إلى الأندلس وبويع بطتيانة من قرى الوادي بإشبيلية وطلبت قناة تعقد له فيها راية فلم توجد فعقدوا له ملحفة في قصبة وكانت الأندلس غفلاً من سمة الملك فدون الدواوين وجند الأجناد وفرض الأعطية وأقام للملك أبهة وشعاراً .
ومن شعره : الرجز .
غنيت عن روض وقصر شاهق ... بالقفر والإيطان في السرادق .
فقل لمن نام على النمارق ... إن العلى شدت بهم طارق .
ومنه : الخفيف .
أيها الراكب الميمم أرضي ... أقر من بعض السلام لبعض .
إن جسمي كما علمت بأرض ... وفؤادي ومالكيه بأرض .
قدر البين بيننا فافترقنا ... وطوى البين عن جفوني غمضي .
قد قضى الله بالفراق علينا ... فعسى باجتماعنا سوف يقضي .
ومنه : الكامل .
لا يلف ممتن علينا قائل ... لولاي ما ملك الأنام الداخل .
سعدي وحزمي والمهند والقنا ... ومقادر بلغت وحال حائل .
إن الملوك مع الزمان كواكبٌ ... نجم يطالعنا ونجم آفل .
والحزم كل الحزم أن لا يغفلوا ... أيردم تدبير البرية غافل .
ويقول قوم سعده لا عقله ... خير السعادة ما حماها العاقل .
أبني أمية قد جبرنا كسركم ... بالغرب رغماً والسعود قبائل .
ما دام من نسلي إمام قائم ... فالملك فيكم ثابت متواصل .
أبو عثمان النهدي .
عبد الرحمن بن مل بكسر الميم وضمها أبو عثمان النهدي . قال : أسلمت على عهد رسول الله A وأديت إليه ثلاث صدقات ولم ألقه وغزوت على عهد عمر قال ابن عبد البر : شهد القادسية وجلولاء وتستر ونهاوند واليرموك ومهران ورستم . يقال أنه عاش في الجاهلية أزيد من ستين سنة وفي الإسلام مثل ذلك . وكان يقول : بلغت من العمر مائة وثلاثين سنة فما مني شيء إلا قد عرفت النقص فيه إلا أملي فإنه كما كان . وكان يقول : أدركت الجاهلية فما سمعت صوت صبح ولا بربط ولا مزمار أحسن من صوت أبي موسى الأشعري بالقرآن وإنه كان ليصلي بنا صلاة الصبح فنود لو صلى بنا بسورة البقرة من حسن صوته .
وسمع أبو عثمان من عمر وابن مسعود وحذيفة وبلال وسلمان وعلي وأبي موسى وسعيد بن زيد وابن عباس وطائفة . وحج في الجاهلية مرتين وصحب سلمان الفارسي اثنتي عشرة سنة وكان صواماً قواماً قانتاً لله وكان يصلي حتى يغشى عليه وتوفي سنة خمس وتسعين للهجرة وروى له الجماعة .
أبو مسلم الأصبهاني .
عبد الرحمن بن مندويه أبو مسلم الأصبهاني من بلغاء أصبهان ورسائله في طريق رسائل الجاحظ وكلامه يكاد يشبه كلامه . وله كتاب الشعر والشعراء يشتمل على خمسة وعشرين كتاباً كل كتاب منها ذو أبواب وفصول يبلغ عددها سبع مائة باب وفصل وقد فرق فيها كل فن من فنون الشعر المقول في الجاهلية والإسلام يقع في ألف ورقة وله كتاب في السمن والهزال والطول والقصر يقع في نحو مائتي ورقة ما سبق إلى مثله وتوفي سنة خمس وتسعين وثلاث مائة تقريباً . قال حمزة الأصبهاني : ومن عجب الاتفاق أن سعيد بن الفضل اليزيدي كان أنشدني لنفسه أبياتاً من نسخة ديوان شعره وكانت أول من نسخها وهي : الكامل .
ضاعف علي بجهدك البلوى ... واصرف عنانك للذي تهوى .
واهجر وبالغ في مهاجرتي ... والهج بها في السر والنجوى .
فإذا بلغت الجهد منك ولم ... تترك لنفسك غاية ترجى .
فانظر فهل حالي بك انتقلت ... عما تحب لحالة أخرى .
فدخلت في أسبوعي إلى أصبهان فاجتمعت بأبي مسلم فأنشدني لنفسه من دفتر شعره : الكامل .
ما كل من لك يظهر الشكوى ... حنيت أضالعه على البلوى .
فطوى الهوى وأسر علته ... ولم يدر من يهواه ما يلقى .
أتظن أنك لو سفكت دمي ... يا من يتيه بحسنه زهوا .
هل كنت منتقلاً ومنصرفاً ... عما تحب لحالة أخرى .
أبو سعيد العنبري