حتى ضربتهم بالسيف فانتبهوا ... من نومةٍ لم ينمها قبلهم أحد .
ومن رعى غنماً في أرض مسبعةٍ ... ونام عنها تولى رعيها الأسد .
ولما مات السفاح وتولى أخوه أبو جعفر المنصور صدرت من أبي مسلم أسباب وقضايا غيرت قلب المنصور عليه فعزم على قتله وبقي حائراً في أمره بين الاستبداد برأيه أو الاستشارة في أمره فقال يوماً لسلم بن قتيبة ابن مسلم الباهلي : ما ترى في أمر أبي مسلم ؟ فقال : " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " فقال : حسبك يا ابن قتيبة لقد أودعتها أذناً واعية .
وكان أبو مسلم قد حج ولما عاد نزل الحيرة عند الكوفة وكان بها نصراني كبير السن يخبر بالكوائن فسأله أبو مسلم فقال له : تقتل وإن صرت إلى خراسان سلمت فعزم على الرجوع . فلم يزل أبو جعفر يخدعه بالرسائل إلى أن عاد . وكان أبو مسلم ينظر في كتب الملاحم ويجد خبره فيها وأنه مميت دولة ومحيي دولة وأنه يقتل ببلاد الروم . وكان المنصور برومية المدائن التي بناها كسرى ولم يخطر لأبي مسلم أنها موضع قتله . فلما دخل على المنصور رحب به وأمره بالانصراف إلى مخيمه . وركب أبو مسلم إليه مراراً وأظهر له التجني ثم جاءه يوماً فقيل له إنه يتوضأ للصلاة فقعد تحت الرواق ورتب له المنصور جماعة يقفون وراء السرير الذي خلف أبي مسلم فإذا عاتبه لا يظهرون فإذا ضرب يداً على يد ظهروا وضربوا عنقه ثم جلس المنصور ودخل أبو مسلم فسلم فرد عليه وأذن له في الجلوس وحادثه ثم عاتبه فقال : فعلت وفعلت فقال أبو مسلم : ما يقال هذا إلي بعد سعيي واجتهادي وما كان مني فقال المنصور : يا ابن الخبيثة إنما فعلت ذلك بجدنا وحظنا ولو كان مكانك أمة سوداء لعملت عملك ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك قبلي ألست الكاتب تخطب عمتي آسية وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن العباس ؟ لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعباً فأخذ أبو مسلم بيده يعركها ويقبلها ويعتذر إليه فقال له المنصور : قتلني الله إن لم أقتلك ثم صفق بيده على الأخرى فخرج إليه القوم وخبطوه بسيوفهم والمنصور يقول : اضربوا قطع الله أيديكم وكان أبو مسلم قد قال عند أول ضربة : استبقني يا أمير المؤمنين لعدوك فقال : لا أبقاني الله أبداً إذاً وأي عدو أعدى منك ؟ ثم أدرج في بساط فدخل جعفر ابن حنظلة فقال له المنصور : ما تقول في أمر أبي مسلم ؟ فقال : يا أمير المؤمنين إن كنت أخذت من رأسه شعرة فاقتل ثم اقتل ثم اقتل فقال المنصور : وفقك الله ها هو في البساط فلما نظره قتيلاً قال : يا أمير المؤمنين عد هذا اليوم أول خلافتك فأنشد المنصور : الطويل .
فألقت عصاها واستقرت بها النوى ... كما قر عيناً بالإياب المسافر .
ثم أقبل المنصور على من حضره وأبو مسلم بين يديه طريحاً وأنشد : السريع .
زعمت أن الدين لا يقتضى ... فاستوف بالكيل أبا مجرم .
إشرب بكأس كنت تسقي بها ... أمر في الحلق من العلقم .
وفيه يقول أبو دلامة : الطويل .
أبا مجرم ما غير الله نعمة ... على عبده حتى يغيرها العبد .
أفي دولة المنصور حاولت غدرة ... ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد .
أبا مجرم خوفتني القتل فانتحى ... عليك بما خوفتني الأسد الورد .
وكان المنصور بعد قتله أبا مسلم كثيراً ما ينشد لجلسائه : الطويل .
طوى كشحه عن أهل كل مشورة ... وبات يناجي عزمه ثم صمما .
وأقدم لما لم يجد ثم مذهبا ... ومن لم يجد بداً من الأمر أقدما .
وفي سنة إحدى وأربعين ومائة ظهر الريوندية وهم قوم من خراسان على رأي أبي مسلم الخراساني يقولون في ما زعم بتناسخ الأرواح وأن روح آدم حلت في عثمان بن نهيك وأن المنصور هو ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم وأن الهيثم بن عدي هو جبريل أتوا قصر المنصور وجعلوا يطيفون به ويقولون هذا فقبض المنصور منهم نحو المائتين من الكبار وحبسهم فغضب الباقون لأجل ذلك وحملوا نعشاً ومروا به على باب السجن يوهمون أنها جنازة واقتحموا السجن وأخرجوا أصحابهم وقصدوا المنصور وهم ست مائة فتنادى الناس وأغلقت المدينة ثم أبادوهم قتلاً .
عبد الرحمن بن المسور