ولد سنة مائة من الهجرة وقتل سنة سبع وثلاثين ومائة وأول ظهوره بمرو وكان في سنة تسع وعشرين ظهر في خمسين رجلاً ويروى أنه من ولد بزرجمهر ولد بأصبهان ونشأ بالكوفة وروى عن عكرمة مرسلاً وعن ثابت البناني وابن الزبير وإسماعيل السدي ومحمد بن علي العباسي وجماعة : كان اسمه إبراهيم فقال له إبراهيم الإمام : غير اسمك فسمى نفسه عبد الرحمن . قيل إن أباه رأى في نومه كأنه جلس للبول فخرج من إحليله نار وارتفعت في السماء وسدت الآفاق وأضاءت الأرض ووقعت بناحية المشرق . فقص رؤياه على عيسى بن معقل العجلي فقال له : ما اشك أن في بطن جاريتك غلام وكانت جاريته حاملاً فوضعت أبا مسلم . فلما ترعرع اختلف مع ولده إلى المكتب فخرج أديباً لبيباً أريباً يشار إليه في صغره فاجتمع بجماعة من نقباء الإمام محمد بن علي بن العباس الخراسانية فأعجبهم عقله وأدبه وكلامه ومعرفته ومال هو إليهم وخرج معهم إلى مكة . فأورد النقباء على إبراهيم بن محمد الإمام وقد تولى الإمامة بعد وفاة أبيه عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم وأهدوا إليه أبا مسلم فأعجب بمنطقه وأدبه وقال لهم : هذا عضلة من العضل وأقام بخدمه سفراً وحضراً . ثم إن النقباء عادوا إلى إبراهيم وسألوه رجلاً يقوم بأمر خراسان فقال : إني جربت هذا الأصبهاني وعرفت باطنه وظاهره فوجدته حجراً لأرض فدعا أبا مسلم وقلده أمر خراسان . وكان إبراهيم قد أرسل إلى أهل خراسان سليمان بن كثير الحراني يدعوهم إلى أهل البيت فلما بعث أبا مسلم أمر من هناك بالسمع والطاعة وأمره أن لا يخالف سليمان فكان أبو مسلم يختلف ما بين إبراهيم وسليمان وكان مروان بن محمد يحتال على الوقوف على حقيقة الأمر وإلى من يدعو أبو مسلم فلم يزل حتى ظهر له أن الدعاء لإبراهيم فأرسل مروان وقبض عليه وهو عند إخوته بالحميمة وأحضره إلى حران فأوصى إبراهيم لأخيه عبد الله السفاح وقتل إبراهيم الإمام على ما مر في ترجمته وأخذ أبو مسلم يدعو إلى عبد الله السفاح ولما ظهر بمرو كان الوالي بخراسان نصر بن سيار الليثي فكتب نصر إلى مروان : الطويل .
أرى جذعاً إن يئن لم يقو ريض ... عليه فبادر قبل أن يثني الجذع .
وكان مروان مشغولاً بغيره من الخوارج بالجزيرة الفراتية وغيرها منهم : الضحاك بن قيس الحروري وغيره فلم يجبه عن كتابه فكتب إليه ثانية قول ابن مريم عبد الله بن إسماعيل البجلي الكوفي وكان له مكتب بخراسان : الوافر .
أرى خلل الرماد وميض جمر ... ويوشك أن يكون لها ضرام .
فإن النار بالزندين تورى ... وإن الحرب أولها كلام .
لئن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام .
أقول من التعجب : ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام .
فإن كانوا لحينهم نياماً ... فقل قوموا فقد حان القيام .
فكتب مروان الجواب : نمنا حين وليناك خراسان والشاهد يرى ما لا يرى الغائب فاحسم الشولول قبلك فقال نصر : قد أعلمكم أن نصر عنده ثم كتب ثالثاً فأبطأ الجواب عنه وقويت شوكة أبي مسلم وهرب نصر من خراسان فمات بناحية ساوة ووثب أبو مسلم على علي بن جديع بن علي الكرماني فقتله بنيسابور بعد أن قيده وحبسه وقعد في الدست وسلم عليه بالإمرة وصلى وخطب ودعا للسفاح وصفت له خراسان وانقطعت عنها ولاية بني أمية . ثم أنه سير العساكر لقتال مروان وظهر السفاح بالكوفة وبويع بالخلافة وتجهزت العساكر لمروان وعليها عبد الله بن علي بن العباس فتقدم مروان إلى الزاب وهو نهر بين الموصل وإربل وكانت الوقعة على كساف وانكسر عسكر مروان فتبعه عبد الله بن علي بجيوشه فهرب إلى مصر فأقام عبد الله بدمشق وأرسل وراءه جيشاً بصبغ الأصفر فأدرك مروان عند قرية بوصير بالفيوم وقتل على ما يذكر في ترجمته إن شاء الله تعالى واجتز رأسه وبعثوه إلى السفاح فبعثه إلى أبي مسلم وأمره أن يطيف به في بلاد خراسان .
وكان السفاح كثير التعظيم لأبي مسلم لما صنعه ودبره وكان أبو مسلم ينشد : البسيط .
أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت ... عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا .
ما زلت أسعى بجهدي في دمارهم ... والقوم في غفلة بالشام قد رقدوا