وأجاب القاضي الفاضل لمن كتب إليه يعرفه بموت ابن أبي عصرون : وصل كتاب الحضر جمع الله شملها وسر بها أهلها ويسر إلى الخيرات سبلها وجعل في ابتغاء رضوانه قولها وفعلها وفيه زيادةٌ وهي نقص الإسلام وثلمٌ في البرية يتجاوز رتبة الانثلام إلى الانهدام وذلك ما قضاه الله من وفاة الإمام شرف الدين ابن أبي عصرون رحمة الله عليه وما حصل بموته من نقص الأرض من أطرافها ومن مساءة أهل الملة ومسرة أهل خلافها فلقد كان علماً للعلم منصوباً وبقيةً من بقايا السلف الصالح محسوباً وقد علم الله اغتمامي لفقد حضرته واستيحاشي لخلو الدنيا من بركته واهتمامي بما عدمت من النصيب الموفور من أدعيته .
الحجري المغربي عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله بن سعيد بن محمد ابن ذي النون الحجري - بفتح الحاء وسكون الجيم حجر ذي رعين - الأندلسي المريي الفقيه الحافظ الزاهد أحد أئمة الأندلس . سمع الكثير وروى وكان له بصرٌ بصناعة الحديث موصوفاً بجودة الفهم . أصاب الناس قحطٌ شديدٌ فلما وضعوه على شفير قبره توسلوا به إلى الله تعالى فسقوا وتوفي سنة إحدى وتسعين وخمسمائة .
ابن زهر الطبيب عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن زهرٍ أبو محمد الإيادي ابن الحفيد أبي بكر الأندلسي الإشبيلي الطبيب معروف بالطب آباؤه شيوخ لطب . وكان شاباً جميلاً مفرط الذكاء خيراً عاش خمساً وعشرين سنةً وتوفي سنة اثنتين وستمائة وكان قد اشتغل على والده وأوقفه على كثيرٍ من أسرار هذه الصناعة وعملها وقرأ كتاب النبات لأبي حنيفة على أبيه وأتقن معرفته وكان الخليفة أبو عبد الله الناصر محمد بن المنصور أبي يعقوب يرى له كثيراً ويحترمه ويعرف مقدار علمه ويثق به . ولما توجه إلى الحضرة خرج منه فيما اشتراه لسفره ونفقته في الطريق عشرة آلاف دينارٍ . وكان يشتغل على الجزولي في النحو وكان الناصر إذا جلس جلس الخطيب أبو عبد الله بن محمد بن الحسن بن أبي علي بن الحسن بن أبي يوسف حجاج القاضي ويجلس تلوه القاضي الشريف أبو عبد الله الحسيني وكان يجلس تلوه ابن الحفيد أبو محمد عبد الله بن زهرٍ هذا وكان يجلس تلوه أبو موسى عيسى الجزولي النحوي . ومات ابن الحفيد مسموماً . وقال أبو مروان الباجي قال لي يوماً : رأيت البارحة أختي - وكانت أخته قد ماتت قبله - وكأنني قلت لها : بالله يا أختي عرفيني كم يكون عمري ؟ ! .
فقالت لي طابيتين ونصفاً - والطابية هي الخشبة للبناء المعروفة في المغرب بهذا الاسم طولها عشرة أشبار - فقلت لها : أنا أقول لك جداً وأنت تجيبيني بالهزء ! .
فقالت : لا والله ما أجبتك إلا بالجد وإنما أنت ما فهمت أليس أن الطابية عشرة أشبار ؟ والطابيتان ونصفاً خمسةٌ وعشرون شبراً يكون عمرك خمساً وعشرين سنة . قال أبو مروان : فلما قص علي هذه الرؤيا قلت له : لا تتوهم من هذا فلعله أضغاث أحلام ! .
قال : ولا تكمل تلك السنة إلا وقد مات وكان عمره كما قيل له خمساً وعشرين سنة لا أقل ولا أكثر ! .
أبو محمد الناسخ عبد الله بن محمد بن جرير أبو محمد القرشي الأموي البغدادي الناسخ . من ولد سعيد بن العاص بن أمية . سمع الكثير وكتب من الكتب الكبار شيئاً كثيراً وكان مليح الكتابة محدثاً مفيداً مالكي المذهب . قال ابن النجار : كتب ما لا يدخل تحت الحصر بالأجرة ويقال إنه كتب بخمس مائة رطل حبرٍ أحصاها هو . وتوفي سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة .
الهروي عبد الله بن محمد بن علي بن محمد الأديب الهروي البغدادي . قرأ الأدب وقال الشعر وغلب عليه المجون والخلاعة والفحش والسخف وجمع مقاماتٍ في الهزل وروى عنه ابن النجار شعراً . وتوفي سنة ثمانٍ وثلاثين وستمائة وكان يخضب بالسواد والحرة . ومن شعره : من الطويل .
سلام كما افتر النسيم وصافحت ... بواكره روضاً تجلت غمائمه .
وأحسن من دوحٍ يراوحه الحيا ... تأشب أعلاه وغنت حمائمه .
ومنه : من السريع .
واخجلتا من عبرةٍ كشفت ... ستري بعد البين للحاسد .
قد يكشف الدمع ضمير الهوى ... ويعرف الغائب بالشاهد .
ابن المهتدي