عبد الله بن محمد بن ذمام أبو محمد الكاتب المرسي من أهل لقنت - بفتح اللام والقاف وسكون النون وبعدها تاء ثالثة الحروف - سكن مالقة . وكان في أول أمره توجه إلى مراكش وتعلق بخدمة أبي الغمر هلال بن الأمير محمد بن مرذنيش فكتب إليه أبوه الأستاذ أبو عبد الله مع رسالةٍ يشعره اللحاق به وقد رغب إليه : فيه من الطويل .
إلى الحضرة العليا المسير المحقق ... بها أملٌ إن شاءه الله يلحق .
بها كعبة الآمال طوبى لطائفٍ ... يقبل أركاناً لها ويخلق .
فطوبى لمن أمسى وقد حط رحله ... بساحة بابٍ للهدى ليس يغلق .
وتعساً لمن لم ينظم الدهر شمله ... بمراكش الغراء حيث التأنق .
فراجعه برسالةٍ يقول فيها : من الطويل .
بنانك من بحر المعارف تنفق ... وذهنك للمعنى البديع موفق .
فنظمك درٌّ أنفس الدر دونه ... ونثرك مسكٌ طيب العرف يعبق .
وأنت مليكٌ للبلاغة كلها ... وراياتها من فوق رأسك نخفق .
ولله بكرٌ بنت عشرٍ زففتها ... تعبر عن سحرٍ حلالٍ وتنطق .
تجلت فجلت أن يعارض حسنها ... وكيف وفيها للمعالي تأنق .
وما هو إلا أن فضضت ختامها ... فهيج بلبالي إليك التشوق .
فيا ليت مر الشوق لم تدر طعمه ... وياليت هذا البين لم يك يخلق .
فذاك للذات التواصل قاطعٌ ... وهذا لشمل الأقربين مفرق .
قلت : شعره أجود من شعر أبيه بل ما بينهما صيغة أفعل ! .
واقترح عليه أبو الغمر المذكور أن يعارض أربعةً من أشعار الغناء أولها : من الوافر : .
يخط الشوق شخصك في ضميري ... على بعد التزاور خط زور .
فقال : من الوافر .
ملكت الفضل يا نجل ابن سعدٍ ... فما لك في الأكارم من نظير .
حسامك حاسمٌ عدو الأعادي ... ومالك مذهبٌ عدم الفقير .
ووجهك إن تبدى في ظلامٍ ... تجلى عن سنا قمرٍ منير .
لذا سماك من سمى هلالاً ... لإشراقٍ حبيت به ونور .
وثانيها : من الطويل .
أشاقك طيفٌ آخر الليل من هند ... ضمان عليه أن يزور على بعد .
فقال : من الطويل .
حكى دمعها الجاري على صفحة الخد ... نثير جمانٍ قد تساقط من عقد .
فقلت لها ما بال دمعك جارياً ... فقالت لما في القلب من ألم الوجد .
ولو لا لهيبٌ ظل بين جوانحي ... يجفف دمعي كان كالسيل في المد .
وما يطفئ الجمر المضرم في الحشا ... سوى وصل مولانا هلالٍ أبي سعد .
وثالثها : من الطويل .
أعانق غصن البان منها تعللاً ... فأنكره مساً وأعرفه قدا .
فقال : من الطويل .
شكت يالها تشكو لفرط صبابةٍ ... ولوعة وجدٍ ألبستها الضنى بردا .
وقالت ودمع العين في ورد خدها ... يريك جمان الطل إذ بلل الوردا .
أيا قمرٌ رفقاً على القلب إنه ... سقيمٌ ضعيفٌ ليس يحتمل الصدا .
فلو حملت شم الجبال من الهوى ... كبعض الذي حملته هدها هدا .
ورابعها : من الطويل .
صحا القلب عن سلمى وعلق زينبا ... وعاوده أضعاف ما قد تجنبا .
فقال : من الطويل .
إذا نمت الأزهار واعتلت الصبا ... وهيجت الألحان أشجان من صبا .
ودارت كؤوسٌ للمدام تخالها ... لرقة ما فيها لجيناً مذهبا .
تهز هلالاً للمكارم هزةً ... كهز القنا يوم الكريهة والظبى .
ففي حالة الإفضال يشبه حاتماً ... وفي حالة الإقدام يحكي المهلبا .
ومن شعره - والرابع مضمن : من الوافر .
نفى نومي وهيج لي خيالي ... فراقٌ لم يكن يجري ببالي .
وكنا قبله في خفض عيشٍ ... وأنسٍ وانتظامٍ واتصال .
فشتتنا الفراق وروعتنا ... مطي البين تدني لارتحال .
فلو نعطى الخيار لما افترقنا ... ولكن لا خيار مع الليالي .
البكري الإشبيلي