عبد الله بن محمد بن عمار البكري الإشبيلي من أقارب أبي عبيد البكري . قدم على شرق الأندلس في أول المائة السابعة . قال ابن الأبار في تحفة القادم : سمع منه ببلنسية بعض شعره شيخنا القاضي أبو الخطاب بن واجبٍ ثم عاد إلى بلده وبه توفي . ومن شعره : من الكامل .
سلت على الأعداء منه صوارمٌ ... قطعت مناسب دومةٍ عن قيصر .
وكتائبٌ ضاق الفضاء بحملها ... برئت بها لمتونة من حمير .
وأول هذه الأبيات : من الكامل .
طلعت كبدر التم لاح لمبصر ... غيداء تبسم عن نفيس الجوهر .
وتنفست فكأن نفح مدامةٍ ... شيبت روائحها بمسكٍ أذفر .
عجبت لرامية القلوب بأسهمٍ ... أبداً تفوق من قسيِّ المحجر .
سفرت كما وضح الصباح فقابلت ... بدر السماء ببدر أرضٍ نير .
ومنه : من الكامل .
أهلاً بساحرة الجفون وقد أتت ... لزيارتي تمشي على استحياء .
خافت عيون وشاتها فتلفعت ... حذر الرقيب ببردة الظلماء .
وأتتك ببن لداتها فكأنها ... قمرٌ وهن كواكب الجوزاء .
وقال في أعور غمت حدقته السليمة حمرةٌ إلا يسير بياضٍ كالخط الدائر بها وقاله ارتجالاً : من السريع .
لم تر عيني مثل عينٍ غدت ... لا تعرف السهد من الغمض .
فازت يد الدهر يتفريقها ... من كل مسودٍّ ومبيض .
وأبقت الأيم أختاً لها ... ناكسة الرأس إلى الأرض .
كأنها من حمرةٍ وردةٌ ... قد طوقت بالسوسن الغض .
وقال في صديق كان يداجيه : من الطويل .
ومستبطن حقداً وفي حركاته ... تصنع مظلومٍ يدل بظالم .
تصدى لإيناسي بحيلة فاتكٍ ... ولاحظني خوفاً بطرف مسالم .
تستر عن كشف العداوة جاهداً ... كما كمنت في الروض دهم الأراقم .
قلت : يشبه قول ابن عبدون في ذم الأيام : من البسيط .
تستربالشيء لكن كي تغر به ... كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر .
ومنه شعره يصف إشبيلية : من البسيط .
أجل فديتك طرفاً في محاسنها ... تبصر وحقك منها آية عجبا .
قطر تكنفه من جانبيه معاً ... مصانعٌ تحمل الأنداء واللهبا .
زهر الوجوه كأن البدر جر على ... حيطانها البيض من أنواره عذبا .
والنهر كالجوارق العين بهجته ... تهز منه الصبا هنديةً قضبا .
تراه من فضةٍ حيناً فإن طلعت ... عليه شمس الضحى أبصرته ذهبا .
صفا وراق فلولا أنه نهرٌ ... أمسى سماءً يرينا في الدجى شهبا .
كأنما الجو مرآةٌ به صقلت ... زرقاء تحسب فيها زهرها حببا .
ما روضة الحزن حلى القطر لبتها ... ومدت الشمس في حافتها طنبا .
يوماً بأبهج مرأىً منه إن رقصت ... حدائق الحسن في أرجائه طربا .
وكتب إِلى أبي الربيع بن سالم يطلب منه جزءاً من نسب الأشراف للبلاذري : من الكامل .
إبعث إلي أبا الربيع صحيفةً ... قد راق منظرها وطاب ثناها .
مهما تصخ أسماعنا لحديثها ... فنفوسنا تصبو إِلى رؤياها .
أضحت تحدث عن أناسٍ أصبحوا ... رمماً يذكرك الردى مثواها .
أظفر يدي منها بعلقٍ مضنةٍ ... كمين موسى أظفرت بعصاها .
أو كالقميص أتى النبي مبشراً ... فأزاح عن عين النبي عماها .
فأجاب أبو الربيع بأبياتٍ منها : من الكامل .
أهدى إِلى النفس المشوق مناها ... وأعاد نضرة أنسه وثناها .
طرسٌ أتى والمجد بعض حداته ... يحوي نظائر فاقت الأشباها .
حيي بها ودي سلافاً مزةً ... طابت مذاقتها وطاب شذاها .
وهي أبيات طويلة جيدة . وكان أبو محمد قد كتب قوله : علق مضنة بظاء ثم إنه تذكر ذلك بعد إنفاذها فكتب إِلى أبي الربيع ابن سالم : من الكامل .
قل للفقيه أبي الربيع وقد جرى ... قلمي فأصبح بالصواب ضنينا .
أبشر بفضلك ظاء كل مضنةٍ ... سألته كفي فاستحال ظنينا