وكأنني لتلاعب الأيام بي ... رجلٌ لبست ثيابها مقلوبا .
أبو بكر ابن أبي الدنيا عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس القرشي مولى بني أمية يعرف بابن أبي الدنيا . توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين وقيل سنة إحدى . ومولده سنة ثمانٍ ومائتين . وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي . وكان يؤدب المكتفي بالله في حداثته . وهو أحد الثقات المصنفين للأخبار والسير . وله كتبٌ كثيرة تزيد على مائة كتابٍ . كتب إِلى المعتضد وابنه المكتفي - وكان مؤدبهما : من الخفيف .
إن حق التأديب حق الأبوة ... عند أهل الحجى وأهل المروة .
وأحق الأنام أن يعرفوا ذا ... ك وبرعوه أهل بيت النبوه .
قال : كنت أؤدب المكتفي فأقرأته يوماً كتاب الفصيح فأخطاً ففرصت خده قرصةً شديدةً فانصرفت فإذا قد لحقني رشيقٌ الخادم فقال يقال لك ليس من التأديب سماع المكروه ! .
فقلت : سبحان الله ! .
أنا لا أسمع المكروه غلامي ولا أمتي ! .
قال : فخرج إلي ومعه كاغذٌ قال : يقال لك صدقت يا أبا بكر ! .
وإذا كان يوم السبت تجيء على عادتك فلما كان يوم السبت جئت فقلت : أيها الأمير تقول عني ما لم أقل ؟ ! .
فقال : نعم يا مؤدبي من فعل ما لم يجب قيل عنه ما لم يكنّ ! .
وسمع من المشايخ ولم يسمع من أحمد بن حنبل وروى عنه جماعة . قال ابن أبي حاتم : كتبت عنه مع أبي وهو صدوق . وكان إذا جالس أحداً إن شاء أضحكه وإن شاء أبكاه . قال الشيخ شمس الدين : وقع لنا جملةٌ صالحة من مصنفاته وآخر من روى حديثه بعلوًّ الشيخ فخر الدين ابن البخاري .
أبو محمد التوزي اللغوي عبد الله بن محمد بن هارون التوزي ويقال التوجي أبو محمد . مولى قريش . توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين . أخذ عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد وهو من أكابر أئمة اللغة . قرأ على أبي عمر الجرمي كتاب سيبويه وكان في طبقته في غير ذلك من العلوم . قال المبرد : كان التوزي أعلم من الرياشي والمازني . وله من التصانيف كتاب الأمثال كتاب الأضداد كتاب الخيل وسبقها وشياتها .
وقال خالد النجار يهجون : من الكامل المرفل .
يا من يزيد تمقتاً ... وتبغضاً في كل لحظه .
والله لو كنت الخليل ... لما كتبنا عنك لفظه .
الناشئ الشاعر المتكلم عبد الله بن محمد أبو العباس الناشئ الشاعر المتكلم المعروف بابن شرشير . أصله من الأنبار وسكن مصر بغداد وهو معدودٌ في طبقة البحتري وابن الرومي وله قصيدةٌ نحو من أربعة آلاف بيتٍ فيها فنونٌ من العلم وهي على رويٍّ واحدٍ وقافيةٍ واحدةٍ . قال ياقوت في معجم الأدباء : وقد قرأت بعض كتبه فدلتني على هوسه واختلاطه لأنه أخذ نفسه بالخلاف على أهل المنطق والشعر والعروضيين وغيرهم ورام أن يحدث لنفسه أقوالاً ينقض بها ما هم عليه فسقط في بغداد فلجأ إلى مصر وأقام بها بقية عمره إلى أن مات سنة ثلاثٍ وتسعين ومائتين . قيل إن سبب موته كان عجباً وهو أنه كان في جماعةٍ على شرابٍ فجرى ذكر القرآن وعجيب نظمه فقال ابن شرشير : كم تقولون ؟ ! .
لوشئت... ! .
وتكلم بكلامٍ عظيمٍ فأنكروا عليه ذلك فقال : إيتوني بقرطاسٍ ومحبرةٍ فأحضر له ذلك فقام ودخل بيتاً فانتظروه فلما طال انتظاره قاموا ودخلوا إليه فإذا القرطاس مبسوطاً وإذا الناشئ فوقه ممتداً فحركوه فإذا هو ميت . ! .
وكان السبب في تلقبه بالناشئ أنه دخل مجلساً فيه أهل الجدل فتكلم فأحسن على مذهب المعتزلة فجود وقطع من ناظره فقام شيخٌ منهم فقبل رأسه وقال : لا أعد منا الله مثل هذا الناشئ أن يكون فينا فينشأ في كل وقتٍ لنا مثله فاستحسن أبو العباس هذا الاسم وتلقب به : ومن شعره : من المتقارب .
بكت للفراق وقد راعني ... بكاء الحبيب لبعد الديار .
كأن الدموع على خدها ... بقية طل على جلنار .
وله في داود بن علي الظاهري : من الطويل .
أقول كما قال الخليل بن أحمد ... وإن قست بين اللفظ واللفظ في الشعر .
عذلت على ما لو علمت بقدره ... بسطت مكان اللوم والعذل من عذري .
جهلت ولم تدري بأنك جاهلٌ ... فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري .
وقال : من البسيط .
أشدد يديك بمن تهوى فما أحدٌ ... يمضي فيدرك حيٌّ بعده خلفا