عقرت سوائم الآمال بعقر داري ولزمت كسر بيتي بانكساري يتزايد شوقي ويتناقص صبري وتتسع همومي فيضيق لها صدري فبقيت على ذلك من الزمن برهةً لا أدخل في لذةٍ ولا أخرج في نزهة إلى أن شامت بوارق البيارق الشريفة عيون الشام فتوجه لخدمتها المخدوم واثقاً بأن قد هزمت الأحزاب وغلبت الروم لكن الجزم يوجب للقلوب أن تكون هذه الدنيا خائفة والعزم يقتضي أن توجد راجيةً وأن يتحقق أن فرقه لم يفارق الإسلام والركاب الشريف هي الناجية . وكنت بتلك المدة أستريح من الغموم إلى النبت العميم وأسائل من ألقاه من الوفود حتى وفد النسيم . فخطر لي في بعض الأيام أن أكر بطرف طرفي في ميادين الفضا وأن أجرد سيف عزمي لقطع مواصلة الهموم فإنه معروفٌ بالمضا . فخرجت أجيله في مساري الغمام وهو يتمطر وأميله عن محال الوعول ومجاري السيول وهو لطول الجمام يتقطر . وكان فيمايجاور المدينة من الحيط الغيط جبل يسمى بالخيط يشاكل خيط الصبح في امتداده ويماثل جناح الجنح بكثرة ظلال نجمه وشجره وسواده قد شمخ بأنفه على وجه الأرض ورفع رأسه فشق السماء بالطول وشق الأرض بالعرض . قام الدوح على رأسه وهو جالس وتبسم البلج في وجهه وهو عابس : من الطويل .
وقور على مر الليالي كأنما ... يصيخ إلى نحوي وفي أذنه وقر .
يمسح بكلف الثريا عن أعطافه ويدير منطفة الجوزاء على أرادفه . فعزمت على أن أستظل بذروته وأستظل من ذورته فدعوت جماعة من أصحابي كنت في السفر أرافقهم وفي الحضر ألازمهم فقلما أفارقهم وقد انتظموا في المودة انتظام الدر في الأسلاك واتسقوا في الصحبة اتساق الدراري في الأفلاك : من الطويل .
وقد كثروا عداً ولكن قلوبهم ... قد اتفقت وداً على قلب واحد .
يتجارون إلى الفضائل كتباري الجياد ويهتزون إلى الفضائل اهتزاز الصعاد قد نجنبوا المشاققة والمحاققة والتزموا بشروط الموافقة والمرافقة فذكرت لهم خطر لي من العزم فكلهم أشار بأن الحزم في الجزم فسرنا والشمس قد رفع حجاب الظلام عنها وقد تراءت حسناً وراق شباباً وشاب جانب منها . وكنا في فصل الربيع قد رق حسناً وراق شباباً وشاب عارضه بالزهر على صبىً فجعل له الظل خضابا قد اكتست أرضه وأشجاره واستوت في الطيب هواجره وأسحاره : من الوافر .
نجيب القوم واضاح المحيا ... أنيق الروض مصقول الأديم .
فلم نزل نمر مر السحاب ونقف للتنزه وقوف السراب حتى أشرافنا على واد لا يُعرف قعره ولا يسلك وعره قد نزل عن سمت الأودية والبقاع وأخذ في الانحطاط نظير ما أخذ جبلة في الارتفاع وقد استدار بالجبل وأحدق وأضحى لعالي سوره كالخندق لا يسلكه إلا ملك أو شيطان ولا يصل إلى قرارته ولا منها إلا بأمراسٍ ومراس أشطان : من الوافر .
سحيق ساخ في الأرضين حتى ... حكى في العمق أودية الجحيم .
ولاح الدوح والأنهار فيه ... فخلنا ثم جنات النعيم .
وعندما أشرفنا عليه حمدنا التأويب لا السرى ورأينا ما لم ير بشعب بوان ولا وادي القرى فأجمعنا على النزول إلى قراره والمبيت بمخيم أشجاره فتحدرنا إلي تحدر السيل ونزلنا إلى بطون شعابه على ظهور الخيل ولم نزل تارةً نهوي هوي القشاعم وننساب آونةً الأنساب الأراقم إلى أن انقطعت أنفاسنا وأنفاس الهوا واحتجب عنا عين الشمس وكاد يحتجب وجه السما . ولما بلغنا منتهاه بطريقٍ غير مسلوك ونزلنا كما يقول العامة إلى السيدوك إذا هو وادٍ يذهل لحسنه الجنان وكأنما هو في الدنيا أنموذج الجنان وقد امتدت سماؤه غصوناً عندما هب الهواء وفجرت أرضه عيوناً فالتقى الماء : من الوافر .
فبتنا والسرور لنا سميرٌ ... وماء عيونه الصافي مدام .
تساوه النسيم إذا تغنت ... حمائمه ويسقيه الغمام .
ولما طلع الصباح علينا طلعنا ودعا داعي السرور فسمعنا وأطعنا وتعلقنا بذيل الجبل وسققنا فروج المساهب وعلونا عاتقه حتى كدنا نلمس عليه عقود الكواكب ولما طرنا إليه طيران البزاة إلى الأوكار وصعدنا عليه صعود السراة على الأكوار تكشف للعين وتكسف فقلت لها مجاوباً ومنصف : من المتقارب .
إذا كنت في الليل تخشى الرقيب ... لأنك كالقمر المشرقِ .
وكان النهار لنا فاضحاً ... فبالله قل لي متى نلتقي