ألا إنما نحن الأهلة إنما ... نضيء لمن يسري إلينا ولا نقري .
فلا منح إلا ما تزود ناظرٌ ... ولا وصل إلا بالخيال الذي يسري .
فتعلل بأحاديث المنى وقال : زور الزيادة وبالرغم مني ! .
فقالت : القناعة غنى ! .
ومن لم يجد ماء طهوراً تيمما . ثم ثبت إلى عطف أوصافها الجميلة وقالت قد رأيت لك مزيد قصدك وإلا أنا بالطيف على غيرك بخيلة فشكرت لها ذلك الإنعام وقلت أيكون ذلك نهاراً أو ليلاً هذا على تقدير وجود المنام ! .
فقالت : أوليس الليل هو حلة البدر الأكلف أم النهار ولا يأنف على شمسه أن ما بناه ضربه بمرماه الصائب بل نبغ . وهذا نسيم الروضة التي أطاعهاعاصيها وثمر الجنة التي كل ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين فيها وهذه البلاغة التي كنت بالإتحاف بها موعوداً وهذه الفواضل والفضائل التي حققت أن في الناس مجدوداً ومحدوداً ومسعوداً ومبعوداً . ولمحه المملوك فقال : هذا نورٌ أم نور وهذا ما ينسب إلى ما يستخرج من أصداف البحور ويجعل في أطواق أعناق النحور من الحور . ولم يرأحلى من تشبيهه وإن جل عن التشبيه ولا أحلى من بلاغته البالغة بما فيه من فيه ولماشاهد من معجزها ما بهرحمد وشكر ورام مجادلتها فعجز عنها جواد القلم فقصر وعثر وسولت له نفسه الإضراب عن الإحالة في الإجابة ولو وفق لرأيه لأصابه وإنما حداه إلى التعرض لنداه يحققه بأنه لم يكن في بيته الكريم إلا من هو بهذه المثابة في الإثابة ومن يتلقى راية رأيه الصائب بيمن يمينه خيراً من عرابة قال مسافر ابن سيار : ولما سللت عضب هذا المقال من غمده وتمتعت من شميم عرار نجده وأتم لي عشراً وعشراً من عنده قلت : بماذا أجازي هذه المحنة وأكافي هذه المنة التي تشح بمثلها القرائح السمحة ؟ فقيل لي : بشكر من هو قادح زناد هذه القريحة وفاتح جواد هذه الطرق المفضية الفسيحة : من الكامل .
ملكٌ به الأقلام تقسم أنها ... ما إن يزال إلى علاه سجودها .
وتكاد من أوصافه ومديحه ... تهتز من زهوٍ ويورق عودها .
سعد الكرام الكاتبون ببابه ... إذ هم جيوش يراعه وجنودها .
دامت فواضله تصيد خواطراً ... ويروق فيه قصدها وقصيدها .
ثم خفت أن أقصر وإن اجتهدت وأن أحل الحبا وإن شددت وربحت في يومي من الخجل ما لعله يكون لغدي . ثم خطر أن أقول معمياً ولا أصرح مسمياً لأكون من سهام التأويلات الراشقة متوقياً فأخفيت من معرفتي ما ظهر وقلت إذا كان المبتدا معرفةً فلا يضر تنكير الخير . وسألت ولدي المساعدة والمساعفة فقال : لا يضر اشتراكي أنا وأنت في هذا القصر وقد تسميت بمسافر فاجمع إلى جوابك الجواب مقتصراً على ذلك فالمسافر جائزٌ له الجمع والقصر . فأجابه عنها بقوله : لما ظعن والدي وقطنت وتحرك للرحلة وسكنت قلقت لبعده وأرقت من بعده ووجدت غاية الألم عند فقده فبقيت لا ألتذ بطعامٍ ولا شراب ولا آوي إلى أهلٍ ولا أصحاب ولا أتخذ مكاناً في الأرض إلا ظهر سابحٍ ولا جليساً إلا كتاب . أعالج لواعج الأشواق وأبوح لما أجد من الفراق وأنوح للورقاء حتى تغدو مشقوقة الأطواق . وحين طالت شقة البين ولم تنفصل وتهلهلت خيوط الدموع تتقطع تارةً وتتوصل : من الطويل .
لبست ثياب الحزن رثى جديدةً ... تشف على أثواب بشرٍ ممزق