وأحنى عليها السقم حتى بدت لنا ... من الوجد قد كادت تعد ضلوعها .
فلله بلدةٌ هذه بعض محاسنها وقد أوجزت في أوصافها وأضربت عن ذكر مساكنها إذ عجزت عن إنصافها . وحين أعياني الكلام المنثور عدلت إلى المنظوم ووصفتها ثانياً بما استطردت فيها بمدح مولانا المخدوم . ولو لم يرد علي من المقام الفلاني مقامة وكان خاطري مشتتاً فحل منها بدار إقامة لما فتحت في وصفها دواةً ولا فماً ولا أجريت لساناً ولا قلماً لكن تعلمت منها علم البيان وسحبت أذيال التيه على سحبان . ولقد قلبت منها برداً محرراً ووشياً مرقوماً وعاينت الدر من لفظها منثوراً ومن حظها منظوماً . وكان لفظها أعذب القلوب من الغمام وسجعها أطيب في الأسماع من سجع الحمام . وكنت عزمت حالة وصولها . على الاستمداد منها والاستعداد للإجابة عنها فرجعت أدراجي القهقري وقلت حبس البضاعة أولى من تخيير المشتري . فلما قرب أمد المزار وبرح الشوق حين دنت الديار من الديار رأيت ذلك تقصيراً في الخدمة وإخلالاً وإن كان ذلك في الحقيقة تعظيماً وإجلالاً ز فأجلت في ذلك خاطراً وجلاً وصرفت إلى هذا الوجه وجهاً خجلاً . وعلى أن المملوك لو رزق التوفيق لما جرى مع مولانا في هذه الطريق ولم يزل المملوك ينشد قبل ورود ركابه الشريف : عسى وطن يدنو بهم ولعلما . فلما دنا الوطن جعلت أهم بشيءٍ والليالي كأنما . والمملوك قد أصبح من جملة عبيد مولانا وخدمه ويرجو من صدقاته الشريفة أن لا يقطع عنه ما عوده من بره المشفوع بصلته العائدة . والمملوك يواصل خدمته مع أن سيدنا أدام الله تعالى له السعد قد علم ندب الشارع إلى مكاتبة العبد . وقد قصد أولاً أن يرتفع بابتداء مكاتبته وثانياً بخبر مجاوبته . والله تعالى يحرس محاسنه التي هي في فم الدهر ابتسام ويديم مننه التي هي الأطواق والناس الحمام . تمت .
وكتب رسالةً مع مدادٍ وأهداها إلى جماعةٍ من الكتاب في الأيام المعزية الأقدار : أطال الله بقاء الموالي السادة ولا زالت سماء الدولة محروسةً بشهبُ أقلامهم ومواسم السعادة مختالةً بشريف أيامهم ونحور العلياء منتزينةً بتنضيد نظامهم ورياض البلاغة معلمة الأطراف والبرود بما تحوكه غمائمهم إذا غدت رفيعة الهضاب وأضحت في أعلى سمك السماك مضروبة القباب وأحنى منال الشمس دون منالها وعظم توهم إدراكها حتى أمست ولا الحلم يجود بها ولا بمثالها . استحقر في جانب شرفها كل جليل واستدر بجودها كل شيءٍ جزيل واستقلت الرياض أن تهدي إلى جنابها زهراً والسحائب أن ترسل إلى بحرها قطراً والفلك الدائر أن يخدمها بنجومه والشذا العاطر أن يكاثر عرف أوصافها بنسيمه والنهارأن يمنح أيامها رقة أصائله وبكره والليل أن يقدم بين يدي مساعيها حمد مسراه ونسمة سحره والبدر أن يلبس حلة السرار ويكسوها حلل تمامه والجفن الساهر أن يصبر على مفارقة الطيف ويحبوها لذيذ منامه واستحى كل فوقف موقف الإجلال وانتهى من التبجيل إلى حد كاد يبلغ به الإخلال إلى أن تعارضت أدلة الرسائل وتزاحمت الغربان على ورود تلك المناهل فقلب المملوك وجهه في سماء سماتها وأسام فكره في أريض روضاتها قائلاً للجوهر الفاخر أنت قريب العهد من تلك البحار وللنضار أنت بعض هاتيك النسمات وللعبير لا تقل أنا ضائع نعم عند شذا تلك النفحات وللنظم والنثر أنتما جنى غصون تلك الأقلام وللحمد والشكر أنتما كمام ذلك الفضل والإنعام فحار كلٌّ جواباً وغدا لا يملك خطاباً وأبى مشاكلة تلك الفضائل واستسقى سحائب تلك البلاغة التي إذا قالت لم تترك مقالاً لقائل والإصغاء إلى أوصافها والتسليف على سلافها فشغف بها حباً وصار بمحاسنهاصباً ودعاه اليها جمالها البديع وأغراه بحسنها الذي لها منه أكرم شفيع : من الطويل .
وقال له بدر السماء ألا اجتلي ... وقالت له تلك الثمار ألا اجتني .
وساعده من ذلك الأمر معتلٍ ... وساعده من ذلك الفجر معتني .
وشاهد من تلك الفضائل ما غدا ... يميس به عطف الزمان وينثني .
فضائل مثل الروض باكره الحيا ... فمغناه من تنويل كف الندى غني .
فسام وصالها فأعرض ونأى بجانبه ورام قربهافسد عليه الإجلال أبواب مطالعه ومطالبه قائلاً لست يا اين السبيل من هذا القبيل : من الطويل