عبد الله بن حمزة أبو محمد المنصور المعروف بابن الهادي يحيى بن الحسين وسوف يأتي ذكره في ذكره في حرف الياء في مكانه وقد مر ذكر ولده المرضي محمد بن يحيى في المحمدين . وكان منصوراً شهماً حازماً عظيم الناموس . وكان أهل اليمن يتوالونه ويحدث نفسه بمدارك تعجز قدرته عنها وما زال يمارس الديلم وأهل طبرستان بالمراسلات والهدايا لما يعلم من موالاتهم لأهل البيت حتى خطب له في بعض تلك البلاد وقام له هناك داعٍِ تغلب على أكثر بلاد جيلان وخطب له على منابرها على أنه لم يزل مقيماً ببلاد صعدة . وكان معاصراً للإمام الناصر العباسي وكان يشبه به في الدهاء وكثرة التطلع إلى أخبار الرعايا حتى أنه كان يواصل طوائف العرب بحمل الأموال ويحرضهم على ذلك ويعدهم على قتله . وكان المنصور لكثرة أطلاعه واحترازه لا يطلع الناس فلا يظفر الناصر بشيءٍ منه . وقال يوماً : إن هذا الرجل قد أفنى الأموال الجليلة على الظفر بي ولو بذل لي بعض هذه الأموال لَمَلَكَ بها قيادي ولكنت له أنصح وأخلص من كثيرٍ ممن يعتمد عليهم وكان يربح التعب من طلب ما لا يناله مع الحصول على ودي . فبلغ ذلك الناصر فقال : أنا يسهل علي المال العظيم أملاً أن أبلغ أقل غرض لي على وجه الغلبة ولا يسهل علي بذل درهمٍ واحدٍ مع وهم أنه خداع . وكان للمنصور وزيرٌ نفذ إليه الناصر بجملة من المال على أن يكون بطانةً له يعينه على بلوغ غرضه فأطلع الوزير المنصور على ذلك فشكره وأحسن إليه ووصله ثم إنه قطعه عن خدمته ! .
فقيل له في ذلك فقال : لا يسهل علي أن يخدمني وأراه بعينٍ أنه يمتن علي بأنه أبقى عليّ روحي وفي الناس سعة لي وله ! .
ولما مات أقما الزيدية ولده مقامه واختبروه في علمه فوجدوه ناقصاً عن رتبة الإمامة فلم يخطبوا له بها . والزيدية لا بد لهم من إمام فاطمي فراسلوا أحمد بن الحسين المعروف بالموطي - وهو من بني عم المنصور - وكان مشوراً بكمال العلم والزهد وخطبوا له في قلعة ثلا من حصون اليمن . وكان على غايةٍ من الزهد والعبادة لا يسكن قلعةً ولا يأوي إلا البراري والجبال . ومن شعر المنصور عبد الله المذكور يشير أن دعوته قد بلغت بلاد جيلان وجاوزت العراق وهو مقيمٌ بمكانه في صعدة : من السريع .
قل لبني العباس ما بالكم ... لا تلحظونا لحظ رجحان .
وقل تخطتكم لنا دعوةٌ ... جالت على أقطار جيلان .
ومن شعره أيضاً : من الرجز .
قوض خيامي عن ديار الهون ... فلست ممن يرتضي بالدون .
واشدد على ظهر الهجين رحله ... فقد شجاني غارب الهجين .
وقربا مني على الحصان زلفةً ... فالحصن أولى بي من الحصونِ .
إني على ريب زمانٍ شرسٍ ... لا تخرج النخوة من بني عرنيني .
جدي رسول الله حقاً وأبي ... ملقبٌ بالأنزع البطين .
من دوحةٍ كريمةٍ ميمونةٍ ... غراء تؤتي الأكل كل حين .
ومنه من البسيط .
لا تحسبوا أن صنعاً جل مأربتي ... ولا ذمار إذاً أشمت حسادي .
واذكر إذا شئت تشجيني وتطربني ... كر الجياد على أبواب بغداد .
ومنه : ومنه الطويل .
أفيقا فما شغلي بسعدي بني سعد ... ولا طللٍ أضحى كحاشية البرد .
ولا بغزالٍ أغيدٍ مهضم الحشا ... رضاب ثناياه ألذ من الشهد .
يميس كغصن البان ليناً ووجهه ... سنا البدر في ليل من الشعر الجعد .
ولا بادكار اليعملات تقاذفتْ ... بها البيد من غوري تهامة أو نجد .
تؤم بهم شطر المحصب من منىً ... طلائح أمثال الحنايا من الشد .
فلي عنهم شغلٌ بقنة شيظمٍ ... طويل الشظى عبل الشوى سابحٍ نهد .
وتشقيف هنديٍ وإعداد حربةٍ ... وصقل حسام صارم مرهف الحد .
وكل دلاصٍ نسج داود صنعها ... من الزرد الموضون قدر في السرد .
وكل طلاع الكف زوراء شطبةٍ ... تراسل أسباب المنايا إلى الضد .
وقودي خميساً للخميس كأنه ... من البحر موج فاض بالبيض والجرد .
وكان اشتغالي يا عذولي بما ترى ... وتأليفهم من بطن وادٍ ومن نجد