عبد الله بن حبيب زكي الدين الكاتب الأستاذ المجود أو حد عصره في الخط ببغداد . كان شيخ رباطٍ . عاش ستاً وسبعين سنةً . وتوفي سنة ثلاثٍ وثمانين وستمائة .
الذبياني عبد الله بن الحجاج من بني ذبيان شاعرٌ مكثرٌ فاتكٌ شجاعٌ . كان من أصحاب عبد الله بن الزبير وشيعته فلما قتل عبد الله احتال ابن الحجاج حتى دخل على عبد الملك وهو يطعم الناس فدخل وجلس حجرةً فقال له : ما لك ياهذا لا تأكل ؟ فقال : لا أستحل أن آكل حتى تأذن لي ! .
قال : إني قد أذنت للناس جميعاً ! .
قال : لم أعلم ! .
أفآكل بأمرك ؟ قال : كل ! .
وعبد الملك ينظر إليه ويعجب من فعاله فلما أكل الناس جلس عبد الملك في مجلسه وجلس خواصه بين يديه وتفرق الناس وجاء عبد الله بن الحجاج فوقف بين يديه ثم استأذن في الإنشاد فأذن له فأنشد : من الكامل .
أبلغ أمير المؤمنين بأنني ... مما لقيت من الحوادث موجع .
منع القرار فجئت نحوك هارباً ... جيشٌ يجر ومقنبٌ يتلمع .
فقال عبد الملك : وما خوفك لا أم لك لولا أنك مريبٌ ؟ فقال : .
إن البلاد علي وهي عريضةٌ ... وعرت مذاهبها وسد المطلع .
فقال عبد الملك : ذلك بما كسبت يداك وما الله بظلامٍ للعبيد ! .
فقال : .
كنا تنحلنا البصائر مرةً ... وإليك إن عمي البصائر نرجع .
إن الذي يعصيك منا بعدها ... من دينه وحياته متودع .
آني رضاك ولا أعود لمثلها ... وأطيع أمرك ما أمرت وأسمع .
أعطي نصيحتي الخليفة راجعاً ... وخزامة الأنف المقود فأتبع .
فقال عبد الملك : هذا لا نقبله منك إلا بعد المعرفة بك وبذ نبك فإذا عرفنا الحوبة قبلنا التوبة فقال : .
ولقد وطئت بني سعيدٍ وطأةً ... وابن الزبير فعرشه متضعضع .
فقال عبد الملك : الحمد لله رب العالمين . فقال : .
ما زلت تضرب منكباً عن منكبٍ ... تعلو ويسفل غيركم ما يرفع .
ووطئتهم في الحرب حتى أصبحوا ... حدثاً يكوس وغابراً يتفجع .
فحوى خلافتهم ولم يظلم بها ... القرم قرم بني قضي الأقرع .
لا يستوي خاوي نجومٍ أفلٍ ... والبدر منبلجاً إذا ما يطلع .
وضعت أمية واسطين لقومهم ... ووضعت وسطهم فنعم الموضع .
بيتٌ أبو العاصي بناه بربوةٍ ... عالي المشارف عزه ما يدفع .
فقال عبد الملك : إن توريتك عن نفسك تريبني فأي الفسقة أنت ؟ وماذا تريد ؟ فقال : .
فانعش أصييبتي الألاء كأنهم ... حجلٌ تدرج بالشربة جوع .
فقال عبد الملك : لا نعشهم الله وأجاعهم ! .
فقال : .
مالٌ لهم مما يضن جمعته ... يوم القليب فحيز عنهم أجمع .
فقال له عبد الملك : مالٌ أخذته من غير حله وأنفقته في غير حق وأرصدت به لمشاقة أولياء الله . فقال : .
أدنو لترحمني وتجبر فاقتي ... وأراك تدفعني فأين المدفع .
فتبسم عبد الملك وقال : إلى النار ! .
فمن أنت ؟ قال : أنا عبد الله بن الحجاج الذبياني الثعلبي وقد دخلت دارك وأكلت طعامك وأنشدتك فإن قتلتني بعد ذلك فأنت بما عليك في هذا عارف وعاد إلى إنشاده فقال : .
ضاقت ثياب الملبسين وفضلهم ... عني فألبسني فثوبك أوسع .
فشد عبد الملك الرداء الذي كان على كتفه وقال : إلبسه لا لبست ! .
فالتحف به . فقال له عبد الملك : أولى لك ! .
والله لقد طاولتك طمعاً في أن يقوم إليك بعض هؤلاء فيقتلك فأبى الله فلا تجاورني في بلدٍ وانصرف آمناً فأقم حيث شئت .
السهمي