عبد الله بن بري بن عبد الجبار بن بري ؛ أبو محمد المقدسي الأصل المصري الدار . كان نحوياً لغوياً شايع الذكر مشهوراً بالعلم . لم يكن للمصريين مثله . مات سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة . قرأ كتاب سيبويه على أبي بكر محمد بن عبد الملك الشنتريني المغربي النحوي وتصدر للإقراء بجامع عمرو بن العاص . وكانت عنايته تامةً في تصحيح الكتب وكتب الحواشي عليها بأحمر فإذا رأيت كتاباً قد ملكه فهو الغاية في الصحة والإتقان . و له على صحاح الجوهري حواشٍ أخذ فيها عليه وشرح بعضه فيها وزياداتٌ أخل بها ؛ ولو تمت لكانت عجيبةً . وكان من علمه وغزارة فهمه ذا غفلةٍ وسلامة صدرٍ . وكان وسخ الثوب زري الهيئة واللبسة يحكي المصريون عنه حكايات عجيبةً ؛ منها أنه اشترى لحماً وخبزاً وبيضاً وحطباً وحمل الجميع في كميه وجاء إلى منزله فوجد أهله وقد ذهبوا لبعض شأنهم والباب مغلقاً فتقدم إلى كوةٍ هناك تفضي إلى داره فجعل يلقي منها الشيء بعد الشيء ولم يفكر في تكسير البيض وأكل السنانير اللحم والخبز إذا خلت به ! .
قال ياقوت : حدثني بعض المصريين قال : كنت يوماً أسير مع الشيخ أبي محمد ابن بري وقد اشترى عنباً وجعله في كمه وجعل يحادثني وهو يعبث بالعنب ويقبضه حتى جرى على رجليه فقال لي : تحس المطر ؟ ! .
فقلت : لا ! .
قال : فما هذا الذي ينقط على رجلي ؟ ! .
فتأملته فإذا هو من العنب فأخبرته فخجل واستحيى ومضى . ويحكى عنه من الحذق وحسن الجواب عما يسأل عنه ومواضع المسائل من كتب العلماء ما يتعجب منه فسبحان الجامع بين الأضداد ! .
وله حواشٍ انتصر فيها للحريري على ابن الخشاب . وكان له تصفح ديوان الإنشاء في ما يكتبونه ليزيل الغلط واللحن منه كما كان ابن بابشاذ . وكان قيماً بمعرفة كتاب سيبويه وعلله قيماً باللغة والشواهد . وقرأ عليه جماعة منهم أبو العباس ابن الحطية . كان ثقةً . والجزولي من تلامذته . وأجاز لجميع من أدرك عصره من المسلمين . قال الشيخ شمس الدين : قرأت ذلك بخط أحمد بن الجوهري عن خط حسن بن عبد الباقي الصقلي عنه . وله مقدمة سماها اللباب وحواشيه على الصحاح ست مجلدات : قلت : كذا رأيته والصحيح أن ابن بري C تعالى وصل في الحواشي على صحاح الجوهري إلى وقش من باب الشين المعجمة من كتاب الصحاح وكان ذلك مجلدين وهي ربع الكتاب وكمل عليه الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الرحمان الأنصاري البسطي إلى آخر الكتاب فجاء التكملة في سنة مجلدات وكان جملة هذا المصنف ثمان مجلدات بخط البسطي وقد ملكتها وهي جميعاً بخط البسطي واسم هذا الكتاب التنبيه والإفصاح عما وقع في حواشي الصحاح وهو كتابٌ جيد إلى الغاية . قال أبو محمد ابن بري C وقد أنشد قول أبي صخر الهذلي : من الطويل .
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق الخضر .
هذا البيت كان سبب تعلمي العربية فقيل له : وكيف ذاك ؟ فقال : ذكر لي أبي أنه رأى فيما يرى النائم قبل أن يرزقني كأن في يده رمحاً طويلاً في رأسه قنديل وقد علقه على صخرة بيت المقدس فعبر له بأن يرزق ابناً يرفع ذكره بعلم يتعلمه فلما رزقني وبلغت خمس عشرة سنةً حضر إلى دكانه - وكان كتبياً - رجل يعرف بظافر الحداد ورجل يعرف بابن أبي حصينة وكلاهما مشهور بالأدب فأنشد أبي البيت بكسر الراء فضحك الرجلان عليه للحنه فقال لي : يا بني أنا منتظرٌ تفسير منامي لعل الله تعالى يرفع ذكري بك فقلت له : أي العلوم تريد أن أقرأ ؟ فقال لي : إقرأ في النحو حتى تعلمني فكنت أقرأ على الشيخ أبي بكر محمد بن عبد الملك ابن السراج C ثم أجي فأعلمه ! .
الخشوعي الرفاء عبد الله بن بركات بن إبراهيم بن طاهر بن بركات أبو محمد الخشوعي الدمشقي الرفاء ولد سنة ثلاثٍ وسبعين وخمسمائة وتوفي سنة ثمان وخمسين وستمائة . سمع من أبيه ويحيى الثقفي والقاسم بن عساكر وعبد الرزاق بن نصرٍ الخشوعي وإسماعيل الجنزوي وجماعة وأجاز له أبو طاهر السلفي وأبو موسى المديني وأحمد بن ينال الترك وغيرهم . وروى عنه الدمياطي وابن الخباز وأبو المعالي بن البالسي وأبو الفداء ابن عساكر وأبو الحسين الكندي وأبو عبد الله الزراد وأبو عبد الله بن التوزي وحفيده علي بن محمد الخشوعي ومحمد بن المحب ومحمد بن المهتار وآخرون . وهو من بيت الرواية والحديث .
قاضي مرو