عبد الله بن احمد بن محمود أبو القاسم الكعبي البلخي رأس المعتزلة ورئيسهم في زمانه وداعيتهم . قال جعفر المستغفري : لا أستجيز الرواية عن أمثاله . توفي سنة تسع عشرة وثلاثمائة . وناهيك من فضله وتقدمه إجماع العالم على حسن تأليفه للكتب الكلامية والتصانيف الحكمية التي بذت أكثر كتب الحكماء وصارت ملاذاً للبصر وعمدةً للأدباء ونزهة في مجالس الكبراء . وكانت في العراق أشهر منها في خراسان وأئمة الدينا مولعون بها مغرمون بفوائدها حتى أنه لما دخل أبو الحسن علي بن محمد الخشابي البلخي تلميذه بغداد حاجاً جعلها جعل أهلها يقولون بعضهم لبعض : قد جاء غلام الكعبي فتعالوا ننظر إليه ! .
فاحتوشه أهل العصر وعصابة الكلام وجعلوا يتبركون بالنظر إليه ويتعجبون منه وينظرون إليه ويسألونه على الكعبي وخصائله وشمائله وكان مدة مقامة بها كأنه فيها من كبار الأولياء . وكان الكعبي لا يخفي مذهبه وكان صلحاء أهل بلخ ينالون منه ويقدحون فيه ويرمونه بالزندقة ولما صنف أبو زيد كتاب السياسة ليانس الخادم - وهو إذ ذاك وإلي بلخ - قال الكعبي : قد جمع الله السياسة كلها في آية من القرآن حيث يقول : " يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون " وأطيعوا الله ورسوله " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " . ومن تصانيفه تفسير القرآن على رسم لم يسبق إليه - إثنا عشر مجلد - ؛ مفاخر خراسان ومحاسن آل طاهر عيون المسائل - تسع مجلدات - أوائل الأدلة المقامات جواب المسترشد في الإمامة الأسماء والأحكام بعض النقض على المجبرة الجوابات أدب الجدل نقض كتاب أبي علي الجبائي في الإرادة السنة والجماعة الفتاوى الواردة من جرجان والعراق الانتقاد للعلم الإلهي على محمد بن زكرياء تحفة الوزراء . وكان الكعبي تلميذ أبي الحسين الخياط وقد وافقه في اعتقاداته جميعها وانفرد عنه بمسائل منها قوله : إن إرادة الرب تعالى ليست قائمةً بذاته ولا هو مريد إرادته ولا أرداته حادثة في محل ولا لا في محل بل ذا أطلق عليه أنه مريدٌ لأفعاله فالمراد أنه خالق لها على وفق علمه . وإذا قيل إنه مريدٌ لأفعال عباده فالمراد أنه راضٍ بها آمرٌ بها . قلت : كذا قاله ابن أبي الدم في كتابه الفرق الإسلامية - أعني ذكر هذه العقيدة .
أبو هفان عبد الله بن أحمد بن حرب بن خالد بن مهزم ينتهي إلى معد بن عدنان أبو هفان . نحوي . لغوي أديب رواية من أهل البصرة وكان مقتراً عليه ضيق الحال . روى عنه جماعةٌ من أهل العلم ؛ منهم يموت بن المزرع وروى هو عن الأصمعي وصنف كتباً منها كتاب صناعة الشعر - كبير وكتاب أخبار الشعراء وغيرهم . وهو القائل في إبراهيم بن المدبر : من الكامل .
يا ابن المدبر أنت علمت الورى ... بذل النوال وهم به بخلاء .
لو كان مثلك في البرية آخرٌ ... في الجود لم يك بينهم فقراء .
وقال : من الطويل .
لعمري لئن بيّعْتُ في دار غربةٍ ... ثيابيَ لمّا أعوزتني المآكل .
فما أنا إلا السيف يأكل جفنه ... له حليةٌ من نفسه وهو عاطل .
ودعاه دعبل الخزاعي في دعوة وأطعمه ألواناً كثيرةً وسقاه نبيذاً حلواً وغمز الجواري أن لا يدلوه على الخلاء ثم تركه وتناوم فلمّا أجهده الأمر قال لبعض الجواري : أين الخلاء ؟ فقالت لها الأخرى : ما يقول سيّدي ؟ قالت يقول غني : " من الوافر " .
خلا من آل عاتكة الديار ... فمشوى أهلها منها قفار .
فغنت هذه وزمرت هذه وصبت هذه وشربوا أقداحاً وسقوه فقال : أحسنتم وجودتم غير أنكم لم تأتوا على ما في نفسي وسكت ! .
فلما أجهده الأمر فقال : لعلّ الجارية بغدادية ؟ فالتفت إلى أخرى فقال لها : فداك أبوك ! .
أين المستراح ؟ فقالت الأخرى : ما يقول سيدي ؟ قالت يقول غني : من البسيط .
واستريح إلى من لست آلفه ... كما استراح عليلٌ من تشكّيه .
فغنت هذه وضربت هذه وزمرت هذه وشربوا أقداحاً وسقوه فقال : أحسنتم غير أنكم لم تأتوا على ما في نفسي ! .
ثم أجهده البلاءُ فقال : لعل الجارية بصرية ؟ فقال للأخرى : أين المتوضأ ؟ فقالت الأخرى : ما يقول سيدي ؟ قالت يقول غني : من الوافر .
توضأ للصلاة وصل خمساً ... وباكرْ بالمدام على النديم