بعد وصل لك مني ... فيه إرغام الحسود .
فاتخذ للهجر إن شئ ... ت فؤاداً من حديد .
ما رأيناك على ما ... كنت تجني بجليد .
فقال عباس : .
لو تجودين لصب ... راح ذا وجد شديد .
وأخي جهل بما قد ... كان يجني بالصدود .
ليس من أحدث هجراً ... لصديق بسديد .
ليس منه الموت إن لمتصليه ببعيد .
قال فقلت للعباس : ويحك ما هذا الأمر ؟ قال : أنا جنيت على نفسي بتتايهي عليها ؛ فلم أبرح حتى ترضيتها له .
الأندلسي .
عباس بن ناصح أبو العلاء الجزيري الثقفي الأندلسي ؛ كان من أهل العلم باللغة العربية من الشعراء المجودين وكان منجب الولادة ولي قضاء بلد الجزيرة مع شذونة ووليه بعده ابنه عبد الوهاب بن عباس ثم ابنه محمد بن عبد الوهاب وكلهم شعراء علماء أدباء ذوو شرف ومنهم عباس بن عبد الرحمن ابن عباس بن ناصح كان فقيهاً عالماً لغوياً حافظاً أدرك جده وأخذ عنه . وتوفي أبو العلاء عباس بن ناصح في أواخر أيام الأمير عبد الرحمن بن الحكم بعد الثلاثين والمائتين ؛ قرئ عليه يوماً قصيدته التي أولها : .
لعمرك ما البلوى بعار ولا العدم ... إذا المرء لم يعدم تقى الله والكرم .
حتى انتهى القارئ فيها إلى قوله : .
تجاف عن الدنيا فما لمعجز ... ولا حازم إلا الذي خط بالقلم .
فقال له يحيى بن حكم الغزال وكان في أصحابه وهو إذ ذاك حدث نظار متأدب ذكي القريحة - وسيأتي ذكره في حرف الياء في مكانه - : أيها الشيخ وما الذي يصنع مفعل مع فاعل ؟ فقال له : وكيف تقول أنت يا بني ؟ قال : كنت أقول : .
تجاف عن الدنيا فليس لعاجز ... ولا حازم إلا الذي خط بالقلم .
وأستريح فقال عباس : والله يا بني لقد طلبها عمك ليالي فما وجدها . وقال عثمان بن سعيد : لما أنشد عباس بن ناصح أصحابه الآخذين عنه بقرطبة قصيدته التي منها هذا البيت : .
بقرت بطون العلم فاستفرغ الحشا ... بكفي حتى عاد خاويه ذا بقر .
قال بكر بن عيسى الكتامي الأديب وكان فيهم : أما والله يا أبا العلاء لئن كنت بقرت الحشا لقد وسخت يدك بفرثه وملأتها من دمه وخبثت نفسك من نتنه وخممت أنفك بعرفه فاستحيا عباس منه ولم يحر جواباً .
ومن شعر عباس : .
ما خير مدة عيش المرء لو جعلت ... كمدة الدهر والأيام تفنيها .
فارغب بنفسك أن ترضى بغير رضى ... وابتع نجاتك بالدنيا وما فيها .
قاتل الظافر والفائز قبله .
العباس بن أبي الفتوح بن يحيى بن تميم بن المع بن باديس أبو الفضل وزير الفائز عيسى العبيدي ؛ كان وصل إلى القاهرة وهو مع أمه بلارة فتزوجها العادل علي بن السلار وزير الظافر العبيدي فأقامت عنده زماناً ورزق عباس هذا ولداً اسمه نصر فكان عند جدته في دار العادل وكان العادل يحنو عليه ويعزه ؛ ثم إن عباساً دس ولده نصراً على أن قتل العادل - على ما يأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة العادل - ثم إن عباساً دس ولده نصراً على الظافر أيضاً فقتله - على ما هو مذكور في ترجمة الظافر إسماعيل بن عبد المجيد - ثم إن أخت الظافر استدعت الصالح بن رزيك من منية بني خصيب فحضر إلى القاهرة وهرب عباس هذا وولده نصر وأسامة بن منقذ إلى الشام فخرج الفرنج عليهم وقتلوا عباساً وجهزوا نصراً إلى مصر في قفص حديد - على ما هو مذكور في ترجمة الظافر إسماعيل وولده الفائز عيسى فليكشف من ترجمة المذكورين - وكانت قتلة عباس المذكور في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ؛ ووصل إلى دمشق جماعة من أصحابه هاربين على اقبح الصور من العري والعدم .
وقال عمارة اليمني من أبيات : .
لكم يا بني رزيك لا زال ظلكم ... مواطن سحب الموت فيها مواطر .
سللتم على العباس بيض صوارم ... قهرتم به سلطانه وهو قاهر