قال أسامة بن منقذ : كان لعباس أربعمائة جمل تحمل أثقاله ومائتا بغل رحل ومائتا جنيب ؛ فلما أراد الخروج من مصر يوم الجمعة رابع ربيع الأول سنة تسع وأربعين وخمسمائة تقدم بشد خيله وجماله فلما صار الجميع على باب داره وقد ملأت الفضاء إلى القصر خرج غلام له يقال له عنبر كان على أشغاله وغلمانه كلهم تحت يده فقال للجمالين والحزبندية والركابية : روحوا إلى بيوتكم وسيبوا الدواب ففعلوا ذلك وانحاز هو إلى المصريين بقاتل عباساً معهم ؛ وكان عباس ومماليكه في ألف رجل فنهب المصريون الخيل والجمال والدواب ولما فتحوا بذلك الطريق خرج عباس من باب النصر فجاؤوا في إثره وأغلقوا الباب وعادوا إلى دور عباس فنهبوها ؛ وكان عباس قد أحضر من العرب ثلاثة آلاف فارس يتقوى بهم على المصريين ووهبهم أشياء كثيرة وحلفهم له فلما خرج من باب النصر غدروا به وقاتلوه أشد قتال ستة أيام يقاتلهم من الفجر إلى الليل فإذا نزل أمهلوه إلى نصف الليل ثم يركبون ويهدون خيلهم على جانب الناس ويصيحون صيحة واحدة فتجفل الخيل وتقطع لجمها ؛ فلما كان بعد ستة أيام وقد ضعف صبحه الإفرنج فقتلوا عباساً وابنه الأوسط واسروا ابنه الأكبر وأخذوا نساء عباس وخزائنه واسروا أولاداً له صغاراً وقال في قتل الظافر بعض الشعراء وهو ابن أسعد يعني عباساً : .
وأنفق من أموالهم في هلاكهم ... وأظهر ما قد كان عنه ينافق .
ومد يداً هم طولوها إليهم ... وحلت بأهل القصر منه البوائق .
سقى ربه كأس المنايا وما انقضى ... له الشهر إلا وهو للكأس ذائق .
أبو الفضل العلوي .
العباس بن الحسن بن عبيد الله بن عباس بن علي بن أبي طالب Bه أبو الفضل العلوي ؛ قدم بغداد في ودولة الرشيد ثم صحب المأمون وكان شاعراً بليغاً مفوهاً حتى قيل إنه أشعر آل أبي طالب وتوفي سنة ثلاث وتسعين ومائة .
وزير المكتفي والمقتدر .
العباس بن الحسن وزير المكتفي والمقتدر ؛ وثب عله ابن حمدان فضرب عنقه في نوبة ابن المعتز وذلك في حدود الثلاثمائة ؛ ولم تزل تتقلب به الأيام من المباشرات إلى أن وزر للمكتفي وأقطعه غلة خمسين ألف دينار وأجرى له في كل شهر خمسة آلاف دينار ؛ قال الصولي : ولد العباس في الليلة التي قتل فيها المتوكل فقال أبو معشر : ما أعجب أمر هذا المولود لو كان هاشمياً لحكمت له بالخلافة وسيكون أمره كأمره في سائر أحواله غلا أنه وزير وكان الأمر فيه كما حكم . وأوصى إليه المكتفي في ماله وولده وعياله . وقال القاسم بن عبيد الله : إني لأعنت العباس في سرعة الإملاء فتسبق يده لفظي ويقطع الكتاب مع آخر كلامي . وقال الصولي : ما رأيت أنا يداً أسرع بالخط من العباس ولا أقل سقطاً مع إقامة حروفه واستواء سطوره وملاحة خطه وكان له حظ وافر من البلاغة من غير تلبث ولا تمكث . وقال الزجاج النحوي : دخلت على العباس وهو يكتب رقعة وقد التطخت إصبعه الوسطى بالمداد فلما فرغ من كتبها بل إصبعه بريقه ومسحها في منديل على حجره ثم قال : .
إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدوي عطر الرجال .
فقلت : نعم أنشدني أحمد بن يحيى قال أنشدني ابن الأعرابي : .
من كان يعجبه إن مس عارضه ... مسك يطيب منه الريح والنسما .
فإن مسكي مداد فوق أنملتي ... إذا الأنامل مني مست القلما