طشتمر الأمير سيف الدين الساقي المعروف بحمص أخضر لأنه كان يأكله كثيراً فسماه خوشداشوه بذلك ؛ كان من أكبر مماليك السلطان الملك الناصر من طبقة أرغون الدوادار أراد إمساكه السلطان مرة فأمسكه وامسك معه قطلوبغا الفخري وكان يدعوه أخاه - وأنا شاك في إمساك الفخري في هذه المرة - فوقف الحرافيش للسلطان ودخل خوشداشيتهم على السلطان فأفرج عنهما وعلم أنه لا قبل له بهما ؛ ثم إنه لما أمسك الأمير سيف الدين أرغون ثم جهزه نائب حلب أمسكهما وكان الأمير سيف الدين تنكز تلك الأيام بالقاهرة فشفع فيهما فأفرج عنهما وقال له : يا أمير هذا المجنون - يعني الفخري - خذه معك إلى الشام وهذا العاقل - يعني طشتمر - دعه عندي ؛ فخرج تنكز بالفخري وأقام طشتمر بالقاهرة وهو مستوحش الباطن خائف ؛ فلما توجه السلطان إلى الحجاز سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة كان أحد الأربعة الذين تركهم بالقلعة . وكان الأمير سيف الدين طشتمر المذكور فيد مبدأ أمره بعد حضور السلطان من الكرك في غاية من رفعة القدر والمحبة عند مخدومه ولما مرض تلك الأيام مدة طول فيها احضر له الأمير علاء الدين الطنبغا نائب حلب وجعله في خدمته فقال : يا خوند بشرط أن لا يدخل إليه أحد من خوشداشيته فقال له : ما يمتنعون عنه فقال : آخذه وأسافر به فرسم بذلك ؛ فتوجه إلى الصعيد ومنعه الخبز وغيره إلى أن قويت معدته على الهضم ولما تمكن من العافية دخل به معافى طيباً فشفع فيه عند السلطان وأخذ له إمرة مائة ثم شفع له وأخذ له الحجوبية ولما توفي سودي نائب حلب باس طشتمر الأرض وطلب له نيابة حلب فرسم له بها وكان القاضي كريم الدين الكبير يتولى له بنفسه عمارة إسطبله والدار التي له والربع الذي إلى جانبهما في حدرة البقر لا جرم أن تلك البوابة لم يكن بالقاهرة أحسن منها . ثم إن السلطان رسم له بالتوجه إلى نيابة صفد في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وذلك أنه تقدم أمر السلطان إلى الأمير بدر الدين ابن خطير الحاجب بأنه لا يدع الأمراء أن يخرجوا بعد السماط وهذه العادة في إمساك من يمسك فامتثل ذلك وسقط في أيدي الأمراء أجمعين وتوهموا الشر فلما وقفوا على العادة حضروا وطغاي أمير آخور تنكز وكان في تلك الأيام قد ورد في البريد وخرج إليه قوصون من المرقد وقال له : لأي شيء تخالف أستاذك وهو ما رباك إلا لتنفعه ؟ ! .
ورماه وقتله بالعصي تقدير خمس عشرة عصا ثم شفع فيه وأقيم والناس كأنما على رؤوسهم الطير فخرج بعد ذلك قوصون وطلب طشتمر وقال له : السلطان رسم لك بنيابة صفد فاستعفى وتضرع وطلب الإقالة فدخل وخرج غليه مرتين وفي الثالثة نقال له : بس الأرض ولا تتكلم كلمة ! .
فباس الأرض وتوجه إلى بيته ثم إن السلطان جهز إليه شرف الدين النشو ناظر الخاص بمرسوم فيه إنعام ألف إردب ومائة ألف درهم وقال له : هذا إنعام الزوادة ؛ قال لي النشو : إني لما أعطيته المرسوم باسه ووضعه على رأسه ودعا للسلطان بغيظ وحرج وجعل يضع يده في ذقنه ويجذب منها شعرها يطلع في يده خمسة خمسة وعشرة عشرة قال : فتوهمت الإيقاع بي فهممت بالقيام فال لي : أريد أن تكون وكيلي على إقطاعي ومحاسبته وأملاكي وتعلقاتي فاستفعيت من ذلك وقلت : يا خوند ما يهون ذلك على السلطان ولكن أحد من خوشداشيتك وأنا في خدمته ؛ فمت وما رأيت روحي برا بابه وفي عيني قطرة . ولما كان في اليوم الثاني جهز إلي مبلغ خمسمائة دينار وقال : هذه شكران المرسوم الذي أحضرته أمس قال فقلت : والله ما آخذه والأمير في هذا الوقت يردي الزوادة فقال : لا بد من أخذها أو تعرف السلطان بذلك فقلت : هذا نعم فعرفت السلطان ما جرى فقال : لا تأخذ منه شيئاً ؛ وجهز إليه السلطان خيلاً بسروجها وقماشها إنعاماً وفي يوم الخميس أحضره في الإيوان بعد قيام الناس من الخدمة وأجلسه قدامه وقال له : ما أجهزك إلى الشام إلا لتقضي لي هناك شغلاً وأكب على رأسه يقبله وودعه وجهز معه طاجار الدوادار وقال بعدما توصله إلى صفد : توجه إلى تنكز وقول له هذا خوشداشك الكبير وقد صار جارك فراعيه ولا تعامله معاملة من تقدم ؛ فما أقام بصفد إلا قليلاً ومرض مرضة عظيمة اشرف منها على الهلاك وأمر بعمل قبر له في مغارة يعقوب عليه السلام وفرغ منه ثم إنه عوفي من ذلك فلما كان من أمر تنكز ما كان - على ما شرح في ترجمته - وأراد