وكتَبَ الشيخ تاجٍ الدين المنسوب طبقةً وخطُّه على الكُتُب الأدبيّة كثير واقْتنى كتباً عظيمةً أدبيّةً وغير أدبية وعدّتها سبع مائة وأحد وسبعون مجلّداً وله خزانة بالجامع الأمويّ بدمشق في مقصورة الحلبيّين فيها كلّ نفيس وله مجلّد حواشٍ على ديوان المتنبّي يتضمّن لغةً وإعراباً وسرقاتٍ ومعاني ونكتاً وفوائد وسماها الصفوة وحواش على ديوان خطب ابن نباتة وفيهاب يان أوهام وأغاليط وقعت للخطيب وأجابه عنها الموفّق البغدادي المعروف بالمطجّن وكان ركن الدين الوهراني صاحب المنام والترسّل قد أُوِلع به وقد مرّ شيء من ذلك في ترجمة الوهراني في المحمّدين في محمّد بن محرز ولمّا كان ثالث عشر شهر رجب سنة خمس وستّ مائة كان الشيخ تاج الدين جالساً عند الوزير إلى جانبه فجاء ابن دحية المحدّث فأجلسه في الجانب الآخر فأورد ابن ديحة حديث الشفاعة فلما وصل إلى قول إبراهيم الخيل صلوات الله وسلامه عليه وقوله : إنّما كنت خليلاً من وراءَ وراءَ ففتح ابن دحية الهمزتين فقال الكندي : وراءُ وراءُ بضمّ الهمزتين فعزّ ذلك على ابن دحية وقال للوزير : من ذا الشيخ ؟ فقال له : هذا تاج الدين الكندي فتسمح ابن دحية في حقّه بكلمات فلم يسمع من الكندي إلا قوله : هو من كلب قبيح قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة رأيتُ في أمالي أحمد بن يحيى ثعلب جوازَ الأمرين . انتهى . قلتُ : قال الأخفش : يقال : لقيته من وراءُ . فترفعه عل الغاية إذا كان غير مضاف تجعله اسماً وهو غير متمكّن كقولك من قبلُ ومن بعدُ وأنشد من الطويل : .
إذا أنا لم أوْمَن عليك ولم يكن ... لقاؤُك إلاّ من وراءُ وراءُ .
هكذا أثبته بالرفع وصنّف ابن دحية كتاباً في هذه المسألة وسماه الصارما الهندي في الردّ على الكندي . وبلغ ذلك الكندي فعمل مصنّفاً سماه نتف اللحية من ابن دحية ومن تصانيف الكندي الجواب عن المسألة الواردة من مسائل الجامع الكبير لمحمّد بن الحسن في الفرق بين طلقتُكِ إن دخلت الدار وبين إنْ دخلْتِ الدار طلقتُكِ فيما تقتضيه العربيّة التي تنبني عليها الأحكام الشرعية وردّ عليه معين الدين أبو عبد الله محمّد بن علي بن غالب المعروف بابن الحميرة الجزري وسمّاه " الاعتراض المبدي لوهم التاج الكندي " . ومن شعر الشيخ تاج الدين الكندي C تعالى من الخفيف : .
لا مني في اختصار كُتْبي حبيبٌ ... فرقَتْ بينه الليالي وبيني .
كيف لي لو أطلْتُ لكنّ عذري ... فيه أنّ المِدادَ إنسانُ عيني .
وكتب إلى القاضي محيي الدين ابن الهشرزوري من البسيط : .
إن عَلِقْتُ بمحيي الدين معتضداً ... فعاد تقبيحُ دهري وهو إحسانُ .
وكم رأيت لغيري غيرّه عضداً ... لكنْ أولئك مرعى وَهْوَ سعدانُ .
ومنه من الطويل .
علقتُ بسحّارِ اللواحظِ فاتِنٍ ... كأنّ بعينيه بقايا خُمارِهِ .
يُكسِّرُ أغراضي تكسُّرُ طرفهِ ... إذا ظلّ طَرْفي حائراً في أحِوارارِهِ .
أقامَ على قلبي قِيامةَ حُبّهِ ... وقام بعذري فيه حُسنُ عِذارِهِ .
وأعجبني في خدّه جُلَّنارُهُ ... فأهدى إلى طيّ الحشاجُلَّ نارِهِ .
يُرنّحني وَجْدي إليه كأنَّني ... نَزيفٌ أنالْته كؤوسُ عقارِهِ .
وهيهات أنْ أنَسى لذيذَ عناقه ... وقد زارني من بعد طول ازورارِهِ .
أمنتُ عليه اللومَ من كلّ ناصحٍ ... فكلُّ يرى أنّ النُهّى في اختيارِهِ .
ونقلت من خط شهاب الدين القوصي في معجمه من ترجمة الشيخ تاج الدين قال : أنشدني لنفسه يمدح الملك المنصور عزّ الدين فرخشاه بن شاهنشاه ابن أيّوب من الكامل : .
هل أنت راحمُ عَبْرةٍ وتولُّهِ ... ومجيرُ صَبٍّ عند ما منه دُهي .
هيهات يَرْحَمُ قاتِلٌ مَقْتولَهُ ... وسنانه في القلْب غير مُنَهْنَهِ .
من بلَّ مِن داءِ الغَرام فإنّني ... مّذْحَلَّ بي مَرَضُ الهوى لَمْ أنْتَهِ .
إنّي بُلِيتُ بِحُبِّ أغْيَدَ ساحِرٍ ... بلحاظه رخص البنان بزهرِهِ