ولا بالذي يرضيه دون نظيره ... ولو أنعلت بالنيِّرات مراكبه .
وبي ظمأ رؤياك منهل ريّه ... ولا غرو أن تصفو لديَّ مشاربه .
ومن عجبٍ أني لدى البحر واقفٌ ... وأشكو الظما والبحر جمُّ عجائبه .
وغير ملومٍ من يؤمِّل قاصداً ... إذا عظمت أغراضه ومآربه .
وقد رضت مقصودي فتمَّت صدوره ... ومنك أرجِّي أن تتمَّ عواقبه .
فلما وقف الخليفة عليه أعجبته كثيراً فاستدعاه سرّاً بعد شطرٍ من الليل فدخل من باب السِّرّ إلى إيوانٍ فيه ستر مضروب فقبَّل الأرض فأمر بالجلوس وجعل الخليفة يحدِّثه ويؤنسه ثم أمر الخدام فرفعوا السِّتر فقبَّل الأرض ثم قبَّل يده فأمره بالجلوس . فجلس وجاراه في أنواعٍ من العلوم وأساليب الشعر . وأخرجه ليلاً وخلع عليه خلعةً سنيّة : عمامةً مذهبّةً سوداء وجبّةً سوداء مذهبة وخلع على أصحابه ومماليكه خلعاً جليلةً وأعطاه مالاً جزيلاً . وبعث في خدمته رسولاً مشربشاً من أكبر خواصِّه إلى الكامل يشفع فيه في إخلاص النيّة له وإبقاء مملكته عليه والإحسان إليه . وخرج الكامل إلى تلقيِّهما إلى القصير . وأقبل على الناس إقبالاً كثيراً ونزل الناصر بالقابون وجعل رنكه أسود انتماءً إلى الخليفة .
وكان الخليفة زاد في ألقابه : الوليّ المهاجر مضافاً إلى لقبه . وتوجّه من دمشق والرسول معه ليرتبه في الكرك وذلك سنة ثلاثٍ وثلاثين وست مائة . قلت : إنما امتنع الإمام المستنصر من استحضار الناصر مراعاةً لعمّه الكامل فجمع بين المصلحتين وأحضره في الليل . ولما كان الناصر ببغداد حضر في المستنصريّة وبحث واعترض واستدل والخليفة في روشنٍ يسمع . وقام يومئذٍ الوجيه القيرواني ومدخ الخليفة ومن ذلك : من الكامل .
لو كنت في يوم السقيفة حاضراً ... كانت المقدَّم والإمام الأروعا .
فقال له الناصر : أخطأت قد كان العبّاس حاضراً جدّ أمير المؤمنين ولم يكن المقدّم إلا أبو بكر Bه فخرج الأمر بنفي الوجيه فذهب إلى مصر وولي تدريس مدرسة ابن شكر .
رجع الكلام : ثم وقع بين الكامل والأشرف وأراد كل منهما أن يكون الناصر معه فمال إلى الكامل . وجاءه في الرسلية القاضي الأشرف ابن الفاضل وسار الناصر إلى الكامل فبالغ في تعظيمه وأعطاه الأموال والتحف ثم اتفق موت الكامل والأشرف والناصر بدمشق في دار أسامة فتشوّف إلى السلطنة ولم يكن يومئذٍ أميز منه ولو بذل المال لحلفوا له . فتسلطن الجواد فخرج الناصر عن دمشق إلى القابون . وسار إلى عجلون قندم فحشد وجاء فخرج الجواد بالعساكر ووقع المصافّ بين نابلس وجينين فكسر الناصر وأخذ الجواد خزائنه وكانت على سبع مائة جمل فافتقر الناصر .
ولما ملك الصالح نجم الدين أيوب دمشق وسار لقصد مصر جاء عمّه الصالح إسماعيل وملك دمشق فتسحّب نجم الدين عنه وبقي في نابلس في جماعةٍ قليلة . فجهز الناصر عسكراً من الكرك فأمسكوه وأحضروه إلى الكرك فاعتقله مكرماً عنده .
ونزل الناصر عند موت الكامل من الكرك على القلعة التي عمرها الفرنج بالقدس وحاصرها وملكها وطرد من به من الفرنج . وفي ذلك يقول جمال الدين ابن مطروح : من السريع .
المسجد الأقصى له عادةٌ ... سارت فصارت مثلاً سائرا .
إذا غدا للكفر مستوطناً ... أن يبعث الله له ناصرا .
فناصرٌ طهَّره أولاً ... وناصرٌ طهَّره آخرا