إلى أن بدا من أشقر الصُّبح قادمٌ ... يراع له من أدهم اللِّيل هاربه .
وأصبح ثغر الأقحوانة ضاحكاً ... تدغدغه ريح الصِّبا وتداعبه .
تمرُّ على نبت الرياض بليلةً ... تجمشِّه طوراً وطوراً تلاعبه .
وأقبل وجه الأرض طلقاً وطالما ... غدا ومكفهرّاً موحشاتٍ جوانبه .
كساه الحيا وشياً من النبت فاخراً ... فعاد قشيباً غوره وغواربه .
كما عاد بالمستنصر بن محمدٍ ... نظام المعالي حين فلَّت كتائبه .
إمامٌ تحلَّى الدين منه بماجدٍ ... تحلَّت بآثار النبيِّ مناكبه .
هو العارض الهتّان لا البرق محلفٌ ... لديه ولا أنواره وكواكبه .
إذا السنة الشهباء شحَّت بطلِّها ... سخا وابلٌ منه وسحَّت سواكبه .
فأحيى ضياء البرق ضوء جبينه ... كما نجَّلت ضوء الغوادي مواهبه .
له العزمات اللائي لولا نصالها ... تزعزع ركن الدين وانهدَّ جانبه .
بصيرٌ بأحوال الزمان وأهله ... حذورٌ فما تخشى عليه نوائبه .
بديهته تغنيه عن كلِّ مشكلٍ ... وإن حنَّكته في الأمور تجاربه .
حوى قصبات السَّبق مذ كان يافعاً ... وأربت على زهر النجوم مناقبه .
تزيَّنت الدنيا به وتشرَّفت ... بنوها فأضحى خافض العيش ناصبه .
لئن نوَّهت باسم الإمام خلافةٌ ... ورفَّعت الرّاكي المنار مناسبه .
فأنت الإمام العدل والعرق الذي ... به شرفت أنسابه ومناصبه .
جمعت شتيت المجد بعد انفراقه ... وفرَّقت جمع المال فانهال كاتبه .
وأغنيت حتى ليس في الأرض معدمٌ ... يجور عليه دهره ويحاربه .
ألا يا أمير المؤمنين ومن غدت ... على كاهل الجوزاء تعلو مراتبه .
ومن جدّه عمُّ النبي وخدنه ... إذا صارمته أهله وأقاربه .
أيحسن في شرع المعالي ودينها ... وأنت الذي تعزى إليه مذاهبه .
وأنت الذي يعني حبيبٌ بقوله : ... ألا هكذا فليكسب المجد كاسبه .
بأني أخوض الدوَّ والدوُّ مقفرٌ ... سبارتيه مغبرَّةٌ وسباسبه .
وأرتكب الهول المخوف مخاطراً ... بنفسي ولا أعبا بما أنا راكبه .
وقد رصد الأعداء لي كلَّ مرصدٍ ... فلكُّهم نحو تدبُّ عقاربه .
وآتيك والعضب المهنَّد مصلتٌ ... طريرٌ شباه فاتناتٌ ذوائبه .
وأنزل آمالي ببابك راجياً ... بواهر جاهٍ يبهر النجم ثاقبه .
فتقبل مني عبد رقٍّ فيغتدي ... له الدهر عبداً طائعاً لا يغالبه .
وتنعم في حقي بما أنت أهله ... وتعلي محلِّي فالسُّهى لا يقاربه .
وتلبسني من نسج ظلَّك حلَّةً ... تشرِّف قدر النيرين جلابيه .
وتركبني نعمىأياديك مركباً ... على الفلك الأعلى تسير مواكبه .
وتسمح لي بالمال والجاه بغيتي ... وما الجاه إلا بعض ما أنت واهبه .
ويأتيك غيري من بلادٍ قريبةٍ ... له الأمن فيها صاحبٌ لا يجانبه .
وما اغبَّر من جوب الفلاح حرُّ وجهه ... ولا اتصلت بالسير فيها ركائبه .
فيلقى دنوّاً منك لم ألق مثله ... ويحظى ولا أحظى بما أنا طالبه .
وينظر من لألاء قدسك نظرةً ... فيرجع والنور الإماميُّ صاحبه .
ولو كان يعلوني بنفسٍ ورتبةٍ ... وصدق ولاءٍ لست فيه أصاقبه .
لكنت أسلّي النفس عما أرومه ... وكنت أذود العين عما تراقبه .
ولكنه مثلي ولو قلت إنني ... أزيد عليه لم يعب ذاك عائبه .
وما أنا ممّن يملأ المال عينه ... ولا بسوى التقريب تقضى مآربه