والظاهريّ لا يقول بذلك فعاد الأمر إلى أنه إما أن يدع العامّيَّ يخبِّط في دينه لما لم ينزل الله به سلطاناً أو يكذب على الله ورسوله A أو يلزم الناس بهفواته . والثلاثة لا يقولها ذو لبّ معاذ الله . ولعلَّ الشيخ شمس الدين يحاول اعتبار خلافهم في الإجماع ومن ابن الشيخ شمس الدين شيخنا وأستاذنا Bه . وهذه المسائل يا مسلمين عاقل يقول في قوله عليه أفضل الصّلاة والسّلام لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدّائم ثم يغتسل فيه إنه إذا بال الإنسان في ماءٍ دائمٍ ألف مرةٍ حلَّ لغيره التَّوضِّي فيه وحرم على البايل . وينسب ذلك إلى مراد أشرف الخلق A في قوله : لا يبولنَّ أحدكم . وهذا ابن حزم يقول هذا ويغوِّش على من لا يقول به . فالإنسان إذا ترك التعصُّب وعلم أنه يتلكم في دين الله علم أن قول إمام الحرمين في النهاية وعلماؤنا لا يقيمون لأهل الظاهر وزناً قول سديد . أو أحد يقول في قوله تعالى : ولا تقل لهما أفٍّ أنه يحرم على الإنسان أن يقول لأبويه أف ولا يحرم عليه أن يأخذ المقارع ويضربهما بها ؟ هذا هذيانٌ معاذ الله أن يدخل في شريعة الإسلام وما أحسن قول الحافظ ابن مفوِّزٍ كما حكى عنه الشيخ تقيّ الدين في شرح الإلمام بعد أن حكى كلام أبي محمد ابن حزم في مسألة البايل . فتأمَّل رحمك الله ما جمع هذا القول من السُّخف وحوى من الشَّناعة ثم يزعمون أنه الدين الذي شرَّعه الله وبعث به محمد A . وكان اللائق بشيخنا شيخ الإسلام شمس الدين أحسن الله إليه أن لا يدخل نفسه فيما لا يعنيه ولا يعرفه ولا يفهمه .
دين الله ما فيه تعصب ولا سلام أي والله ما الشيخ شمس الدين إلا مقاوم إمام الحرمين العاقل يعرف مقدار روحه ويسكت إذا حسن السكوت . وأنا لا أقول أن خلاف داود لا يعتبر معاً والله وإنما الحق التفصيل كما ذكر وحسبنا الله وكفى .
وقال ابن الصّلاح : الذي اختاره أبو منصور الأستاذ وذكر أنه الصحيح من المذهب أنه يعتبر خلاف داود قال : وهذا الذي استقر عليه الأمر آخراً كما هو الأغلب الأعرف من صفو الأئمة المتأخرين الذي أوردوا مذهب داود في مصنَّفاتهم المشهورة كالشيخ أبي حامدٍ الإسفراييني والماوردي والقاضي أبي الطيِّب قال : وأرى أن يعتبر قوله إلا فيما خالف فيه القياس الجليّ وما اجتمع عليه القياسيون من أنواعه وبناه على أصوله التي قام الدليل القطاع على بطلانها . فاتفاق من سواه إجماع منعقد لقوله في التغوُّط في الماء الراكد وتلك المسائل الشنيعة وقوله : لا ربا إلا في الستة المنصوص عليها فخلافه في هذا ونحوه غير معتبر لأنه مبني على ما يقطع ببطلانه . وقال ولده أبو بكر محمد بن داود : رأيت أبي داود في النوم فقلت له : ما فعل الله بك ؟ فقال : غفر لي وسامحني فقلت : غفر لك فبم سامحك ؟ يا بنيّ الأمر عظيم والويل كل الويل لمن لم يسامح .
شرف الدين الشيخ السَّديد الطّيب .
داود بن عليّ بن داود بن المبارك الحكيم الفاضل الشيخ السّديد أبو منصور ابن الشيخ السَّديد ويقال : اسمه عبد الله . قرأ الطبَّ على والده وأبي نصر عدلان بن عين زربيّ . وسمع بالإسكندرية من أبي الطاهر إسماعيل بن مكي بن عوف . وانتهت إليه رئاسة الأطباء بمصر . وخدم ملوكها وحصّل مالاً كثيراً وتخرَّج به جماعة . وغلب عليه لقب أبيه السّديد ولقبه : شرف الدين وخدم العاضد وجماعةً قبله . ونال الحرمة الوافرة والجاه العريض وأخذ عنه نفيس الدين بن الزبير شيخ الأطباء . حصل له في يومٍ واحدٍ من الدولة ثلاثون ألف دينار . وظهَّر ابني الحافظ لدين الله فحصل له من الذّهب نحو خمسين ألف دينار . وكان صلاح الدين يحترمه ويعتمد عليه في الطِّب . توفي سنة إحدى وتسعين وخمس مائة .
الكاتب ابن أبي يعقوب .
داود بن عليّ بن داود الكاتب هو ابن أبي يعقوب بن داود وزير المهدي قال يرثي الحسن بن علي صاحب فجٍّ : من البسيط .
يا عين جودي بدمعٍ منك مهتتنٍ ... فقد رأيت الذي لاقى بنو حسن .
صرعى بفجٍّ تجر الريح فوقهم ... أذيالها وغوادي دلَّج المزن .
حتى عفت أعظماً لو كان شاهدها ... محمدٌ ذبَّ عنها ثم لم تهن