وكان عمر يقول : لإن صيَّر الله هذا الأمر لأعزلنَّ المثنَّى بن خارجة عن العراق وخالد بن الوليد عن الشام حتى يعلما أنَّما نصر الله دينه ليس إياهما نصر . ولما ولي عمر قال : ما صدقت الله إن كنت أشرت على أبي بكر بأمرٍ فلم أنفذه . فعزله وولَّى أمين الأمة أبا عبيدة بن الجرّاح وصار خالد أميراً من جهته فلما أجاز الأشعث بعشرة آلاف فكتب عمر إلى أبي عبيدة أن يقيم خالداً ويعقله بعمامته وينزع عنه قلنسوته ويعزله على كل حال ويقاسمه ماله ففعل ذلك . وكان أبو عبيدة يكرمه ويفخِّمه . ثم كتب عمر إلى خالد يأمره بالإقبال إليه فقدم على عمر فشكاه وقال : لقد شكوتكم إلى المسلمين تالله إنك في أمري غير مجمل يا عمر واعتذر عن المال الذي فرقه بأنه من ماله . فقال عمر : والله إنّك عليَّ لكريم وإنك إليَّ لحبيب ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء . واعتذر عمر إلى الناس من أجله . ثم كان عمر يذكره ويترحّم عليه ويتندَّم على ما كان صنع به ويقول : سيف من سيوف الله تعالى . وقيل أن خالداً لما قدم على عمر قال متمثلاً : من الطويل .
صنعت فلم يصنع كصنعك صانعٌ ... وما يصنع الأقوام فالله أصنع .
كتب عمر إلى الأمصار : إني لم أعزل خالداً عن سخطةٍ ولا خيانة ولكنَّ الناس فتنوا به فخشيت أن يوكّلوا إليه فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصّانع وأن لايكونوا بعرض فتنة . عن ابن الضحَّاك أن عمر بن الخطّاب كان أشبه الناس بخالد بن الوليد فخرج عمر سحراً فلقيه شيخ فقال : مرحباً بك يا أبا سليمان . فنظر إليه عمر فإذا هو علقمة بن علاثة فردّ عليه السلام . فقال له علقمة : أعزلك عمر بن الخطّاب ؟ فقال له عمر : نعم فقال : ما يشبع لا أشبع الله بطنه . فقال له عمر : فما عندك ؟ قال : ما عندي إلا السّمع والطّاعة . فلما أصبح دعا بخالدٍ وحضره علقمة بن علاثة فأقبل على خالدٍ فقال له : ماذا قال لك علقمة ؟ فقال : ما قال لي شيئاً . فقال : أصدقني فحلف خالد بالله ما لقيته ولا قال له شيئاً . فقال له علقمة : حلاً أبا سليمان فتبسم عمر فعلم خالد أن علقمة قد غلط . فنظر إليه ففطن علقمة فقال : قد كان ذلك يا أمير المؤمنين فاعف عني عفا الله عنك . فضحك عمر وأخبره الخبر . ولما حضرت خالداً الوفاة بكى وقال : لقد لقيت كذا وكذا زحفاً وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح وهأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت العير فلا نامت عين الجبناء . ولما مات لم تبقى امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمَّتها على قبره أي حلقت شعر رأسها وكان موته سنة إحدى أو اثنتين وعشرين بحمص . وأوصى إلى عمر وجعل خيله وسلاحه في سبيل الله . فلما بلغ موته عمر استرجع ونكس وأكثر التَّرحم عليه وقال : قد ثلم في الإسلام ثلمة لا ترتق .
المخزومي .
خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم . وهو حفيد خالد بن الوليد المخزومي . حدَّث عن عمر بن الخطّاب وابن عباس وابن عمر وغيرهم وروى عنه الزُّهري وغيره . وقد دمشق بعد وفاة عمه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد فضربه معاوية أسواطاً وحبسه وأغرمه ديتين ألفي دينار . فألقى ألفاً في بيت المال وأعطى ورثة ابن أثال ألفاً . ولم يزل ذلك يجري في دية المعاهد حتى ولي عمر بن عبد العزيز فأبطل الذي يأخذه السلطان لنفسه وبقي الذي يدخل بيت المال . ولم يخرج خالد من الحبس حتى مات معاوية . وكان شاعراً ولذلك يقول ما انصرف من دمشق إلى المدينة وقد قتل اليهودي الطبيب ابن أثال لأنه كان قد سقى عمه عبد الرحمن وسيأتي ذكره سمّاً فقتله يخاطب عروة بن الزبير : من الطويل .
قضى لابن سيف الله بالحقِّ سيفه ... وعرِّي من حمل الرُّحول رواحله .
سل ابن أثال هل ثأرت ابن خالدٍ ... وهذا ابن حرموزٍ فهل أنت قاتله ؟ .
وقال الزبير بن بكارٍ : وقد انقرض ولد خالد بن الوليد ولم يبق منهم أحد . وكان وفاة خالد هذا في حدود المائة وروى له مسلم .
المحزوميّ