خالد بن الصَّمصامة من أهل الكوفة . كان من أضرب الناس بالعود . قال لما اشتهر عن الوليد بن يزيد اشتهاره بالغناء : وفدت إليه واستؤذن لي عليه فدخلت فألفيته على سريره وبين يديه معبد ومالك بن أبي السَّمح وابن عائشة وأبو كامل الدِّمشقيّ فجعلوا يغنُّونه حتى بلغت النَّوبة إليَّ فغنَّيته : من الوافر .
سرى همِّي وهمُّ المرء يسري ... وغاب النَّجم إلا قيد فتر .
أراقب في المجرَّة كلَّ نجمٍ ... تعرَّض أو على مجراه يجري .
بهمٍّ ما أزال له قريناً ... كأن القلب أبطن حرَّ جمر .
على بكرٍ أخي فارقت بكراً ... وأي العيش يصلح بعد بكر .
فقال : أعد يا خالد فأعدت فقال : من يقول هذا الشعر ؟ قلت : بقوله عروة بن أذينة يرثي أخاه بكراً . فقال الوليد : وأيُّ العيش يصلح بعد بكر... هذا العيش الذي نحن فيه . والله لقد حجر واسعاً على رغم أنفه .
القرشي .
خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان من نبلاء قريش ووجوهها من أهل المدينة وهو أخو محمد بن عبد الله الديباج لأبيه . وفد على يزيد بن عبد الملك . وكان خالد أسنّ ولد عبد الله بن عمرو . وكان ذا مروءةٍ وقدر . خطب إليه يزيد بن عبد الملك إحدى أخواته فترغّب خالد في الصَّداق فغضب يزيد وأشخصه إليه ثم ردّه إلى المدينة . وأمر أن يختلف به إلى الكتّاب مع الصبيان يعلِّم القرآن . فزعموا أنه مات كمداً وله عقب . وكان لمّا خطب يزيد أخته قال : إن أبي قد سنَّ لنسائه عشرين ألف دينار فإن أعطيتنيها وإلا لم أزوجك . فقال يزيد : أو ما ترانا أكفاء إلا بالمال ؟ قال : بلى والله إنكم لبنو عمنا . قال : إني لأظنك لو خطب إليك رجل من قريش لزوجته بأقلِّ مما ذكرت من المال . قال : أي لعمري لأنها تكون عنده مالكةً مملكة وهي عندكم مملوكة مقهورة .
القسري أمير العراق .
خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد أبو الهيثم البجليّ القسري أمير مكة للوليد وسليمان وأمير العراقين لهشام . وهو من أهل دمشق . قال الحافظ ابن عساكر : وداره بدمشق هي الدار الكبيرة التي مربّعة سنان بباب توما وهو الذي قتل جعد ابن درهم كما مر في ترجمة جعد وكان جواداً سخياً ممدَّحاً فصيحاً إلا أنه كان رجل سوءٍ . كان يقع في علي ويذمّ بئر زمزم كان نحواً من الحجاج . وبقي على ولاية العراق بضع عشرة سنة ثم عزله هشام وولَّى يوسف بن عمر الثقفي . يقال أن امرأة أتته فقال : أصلح الله الأمير إني امرأة مسلمة وإن عاملك فلاناً المجوسيَّ وثب عليَّ فأكرهني على الفجور وغصبني نفسي فقال لها : كيف وجدت قلفته ؟ فكتب بذلك كحسان النِّبطيّ إلى هشام وعنده يومئذٍ رسول يوسف بن عمر . فكتب معه إليه بولاية العراق ومحاسبة خالد وعماله . وكان باليمن فاستخلف ابنه الصّلت على اليمن . وخرج يوسف فينفرٍ يسير فسار من صنعاء إلى الكوفة على الرِّحال في سبع عشرة يوماً . وقدم الكوفة سحراً وأخذ خالد وحبسه وحاسبه وعذبه ثم قتله أيام الوليد . جعل قديمه بين خشبتين وعصرهما حتى انقصفا ثم على ساقيه فانقصفا ثم على وركيه فانقصفا ثم على صلبه فلما انقصف مات خالد في المحرّم سنة ست وعشرين ومائة ويل سنة خمس وعشرين ودفن بالحيرة ليلاً وهو فيذلك كله لا يتأوَّه ولا ينطق . ولما كان في السّجن امتدحه أبو الشِّعب العبسيّ بقوله : من الطويل .
ألا إنَّ خير النّاس حياً وميِّتاً ... أسير ثقيفٍ عندهم في السَّلاسل .
لعمري لئن عمَّرتم السِّجن خالداً ... وأوطأتموه وطأة المتثاقل .
لقد كان نهّاضاً بكلِّ ملمَّةٍ ... ومعطي اللُّهى غمراً كثير النَّوافل .
فإن تسجنوا القسريّ لا تسجنوا اسمه ... ولا تسجنوا معروفه في القبائل .
وكان يوسف قد جعل على خالدٍ كل يوم حملاً يحمله وإن لم يقم به في يومه عذَّبه . فلما وصلت الأبيات إلى خالد كان قد حصّل من قسطه سبعين ألف درهم فأنفذها له وقال له : اعذرني فقد ترى ما أنا فيه . قردَّها أبو الشعب وقال : لم أمدحك لمالٍ ولكن لمعروفك وأفضالك . فأقسم عليه ليأخذنها . ويقال أن خالداً من ولد شقّ الكاهن ويقال أن أمه كانت نصرانية وأنه بنى لها كنيسة تتعبَّد فيها . ولذلك قال الفرزدق يهجوه : من الطويل