وكان عبد الملك بن مروان يعبث به فوجَّه إليه ليلةً رسولاً وقال : جئني به على أيِّ حالٍ وجدته . فهجم الرسول إليه فوجده داخلاً إلى بيت الخلاء . فقال : أجب الأمير . فقال : ويحك ! .
أكلت كثيراً وشربت نبيذاً حلواً وقد أخذني بطني فقال : لا سبيل إلى مفارقتك . فأخذه وأتى به فوجده قاعداً في طارمةٍ وعنده جارية جميلة يتحظَّاها وهي تسجر البخور . فجلس يحادثه وهو يعالج ما هو فيه من داء بطنه . فعرضن له ريحٌ فسيَّبها ظنّاً أن البخور يسترها . قال حمزة : فو الله لقد غلب ريحها المنتن ذلك النَّدّ فقال : ما هذا يا حمزة ؟ قال : فقلت : عليَّ عهد الله وعلي المشي والهدي إن كنت فعلتها وما فعلها إلا هذه الجارية فغضب وخجلت الجارية وما قدرت على الكلام . ثم جائتني أخرى فسرَّحتها وسطع والله ريحها . فقال : ما هذا ويلك ؟ أنت والله الآفة . فقلت : امرأتي طالق إن كنت فعلتها فقال : وهذه اليمين لازمة لي إن كنت فعلتها وما هو إلا عمل هذه الجارية . فقال : ويلك ما قصتك ؟ قومي إلى الخلاء إن كنت تجدين شيئاً فأطرقت وطمعت فيها فسرحت الثالثة فسطع من ريحها ما لم يكن في الحساب . فغضب عبد الملك حتى كاد يخرج من جلده ثم قال : يا حمزة خذ بيد هذه الجارية الزانية فقد وهبتها لك وامض فقد نغَّصت عليَّ ليلتي . فأخذت بيدها وخرجت فلقيني خادم فقال لي : ما تريد أن تصنع ؟ فقلت : أمضي بها فقال : والله لئن فعلت ليبغضنَّك بغضاً لا تنتفع به بعده . وهذه مائتا دينار فخذها ودع هذه الجارية . فقلت : والله لا نقصتك من خمس مائة دينار . فقال : ليس إلا ما قلت لك . فأخذتها وأخذ الجارية . فلما كان بعد ثلاث دعاني عبد الملك فلقيني الخادم فقال : هذه مائة دينار أخرى وتقول ما لا يضرُّك ولعلَّه ينفعك . فقال : ماهو ؟ قال : إذا دخلت إليه تدَّعي عنده أنَّ تلك الفسوات الثلاث منك . فقلت : هاتها . ودخلت فلما وقفت بين يديه قلت : لي الأمان يا أمير المؤمنين . فقال : قل فقلت : أرأيت تلك الليلة ما جرى من الفسوات . قال : نعم قلت : عليَّ وعليَّ إن كان فساهن غيري . فضحك حتى سقط على قفاه وقال : فلم ويلك ما أخبرتني ؟ فقلت : أردت خصالاً منها : أن قمت وقضيت حاجتي ومنها أني أخذت جاريتك ومنها أني كافأتك على أذاك لي بمثله حيث منعني رسولك من دفع أذاي . قال : وأين الجارية ؟ قلت : ما خرجت من دارك . وأخبرته الخبر فسرَّ بذلك وأمر لي بمائتين دينارٍ أخرى وقال : هذه لجميل فعلك وتركك أخذ الجارية وأخبار حمزة في الأغاني كثيرة وكلها ظريف .
شمس الدين حمزة التُّركمانيّ