وكان أبو حنيفة صديقاً لحماد عجرد ثم إنَّ أبا حنيفة طلب الفقه ونسك وبلغ فيه ما بلغ . ورفض حمَّاداً وبسط لسانه فيه . فجعل حمَّاد يلاطفه ليكفَّ عن ذكره وأبو حنيفة يذكره . فكتب إليه حماد : من مجزوء الكامل .
إن كان نسكك لا يت ... مُّ بغير شتمي وانتقاصي .
أولم تكن إلاّ به ... ترجو النجاة من القصاص .
فلطالما زكَّيتني ... وأنا المقيم على المعاصي .
أيّام تأخذها وتع ... عي في أباريق الرَّصاص .
فأمسك عنه أبو حنيفة ولم يذكره خوف لسانه .
قيل أنَّ المهديَّ لم قتل بشَّاراً بالسِّياط على ما تقدَّم حمل إلى منزله ميتاً ودفن مع حمَّاد عجرد على تلعةٍ . فمرَّ بهما أبو هشام الباهليُّ الشَّاعر الضرير وكان يهاجي بشَّاراً فوقف على قبريهما وقال : من السريع .
قد تبع الأعمى قفا عجردٍ ... فأصبحا جارين في دار .
قالت بقاع الأرض : لا مرحباً ... بقرب حمَّادٍ وبشَّار .
تجاورا بعد تنائيهما ... ما أبغض الجار إلى الجار .
صارا جميعاً في يدي مالكٍ ... في النَّار والكافر في النَّار .
والحمَّادون ثلاثة : هذا وحمَّاد الراوية وحمَّاد بن الزِّبرقان . كانوا يشربون الخمر ويتَّهمون بالزندقة . قال خلف بن المثنَّى : كان يجتمع بالبصرة عشرة في مجلس لا يعرف مثلهم في تضادّ أديانهم : الخليل بن أحمد سُّنِّي والسَّيد الحميريّ رافضيّ وصالح بن عبد القدُّوس ثنويّ وسفيان بن مجاشع صفَّريّ وبشَّار بن برد خليع ماجن وحمَّاد عجرد زنديق وابن رأس الجالوت يهوديّ وابن نظيرا متكلِّم وعمرو ابن أخت المؤيد مجوسيّ وروح بن سنانٍ الحرَّانيّ صابئيّ . فيتناشد الجامعة أشعاراً . وكان بشار يقول : أبياتك هذه يا فلان أحسن من سورة كذا وكذا . وفي حمَّاد عجرد يقول بشّار : من الطويل .
إذا جئته في الحيِّ أغلق بابه ... فلم تلقه إلاّ وأنت كمين .
فقل لأبي يحيى متى تبلغ العلى ... وفي كلِّ معروفٍ عليك يمين .
وفيه يقول بشار أيضاً : نعم الفتى لو كان يعبد ربه... الأبيات المتقدمة في تردمة حمَّاد الراوية .
ومن شعر حمَّاد عجرد : من الطويل .
فأقسمت لو أصبحت في قبضة الهوى ... لأقصرت عن لومي وأطنبت في عذري .
ولكن بلائي منك أنَّك ناصحٌ ... وأنَّك لا تدري بأنَّك لا تدري .
وقتله محمد بن سليمان بن عليّ عامل البصرة بظاهر الكوفة على الزَّندقة سنة خمسٍ وخمسين ومائة . وقيل بل خرج من الأهواز يريد البصرة فمات في طريقه فدفن في تلٍّ هناك . وقيل مات سنة ثمانٍ وستين ومائة . وأخباره وأشعاره في الأغاني كثيرة .
البصريّ .
حمّاد بن سلمة بن دينار مولى بني ربيعة بن مالك . الإمام العلم أبو سلمة البزَّار الخرقيّ البطائنيّ شيخ أهل البصرة . هو أعلم النّاس بثابت البنانيّ . وقال وهيب : حماد أعلمنا وسيِّدنا . وقال ابن معين : هو أعلم من غيره بحديث عليّ بن زيد . وقال : هو ثقة . وقال ابن المديني : هو عندي حجَّة في رجال وهو أعلمهم بثابت وبعمار بن أبي عمار . قال الشيخ شمس الدين : ولهذا احتجَّ به مسلم في الأصول بما رواه . وكان إماماً رأساً في العربية فصيحاً بليغاً كبير القدر شديداً على المبتدعة صاحب أثر وسنَّة وله تصانيف . قال عليّ بن المديني : من سمعتموه يتكلم في حماد فاتَّهموه . وقال يوسف النَّحويّ : من حماد تعلمت العربية . عاد حماد بن سلمة سفيان الثَّوريّ فقال : يا أبا سلمة أترى الله يغفر لمثلي : فقال حماد : والله لو خيِّرت بين محاسبة الله ومحاسبة أبويّ لاخترت محاسبة الله تعالى لأنه أرحم لي من أبويّ . توفي سنة سبع وتسعين ومائة . وروى له مسلم والأربعة .
الأزرق الحافظ