وهل زدت أن وفَّيتهم صاع قرضهم ... فوافوا منابا قدِّرت ومصارعا .
فهاك سلاحي إنني قد تركتها ... مهاداً ولم أترك عليها منازعا .
؟ المستنصر بالله الأمويّ .
الحكم بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمّد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية الأمويّ المروانيّ . هو المستنصر بالله صاحب الأندلس ابن الناصر لدين الله الأمويّ . بقي في المملكة بعد أبيه ستة عشر عاماً . وعاش ثلاثاً وستين سنة وقد تقدّم ذكر أخيه محمد بن عبد الرحمن . وسيأتي ذكر أخويه عبد الله وعبد العزيز في مكانيهما إن شاء الله تعالى . ويأتي ذكر والده عبد الرحمن في مكانه من حرف العين . وكان حسن السِّيرة مكرماً للقادمين عليه . جمع من الكتب ما لا يحدّ ولا يوصف كثرة ونفاسة قيل أنها كانت أربع مائة ألف مجلد ونهم لّما نقولها أقاموا ستة أشهر في نقلها . وكان عالماً نبيهاً حسن السيرة صافي السريرة . سمع من قاسم بن أصبغ وأحمد بن دحيم ومحمد بن محمد بن عبد السّلام الخشنيّ وزكرياء بن خطاب وأكثر عنه . وأجاز له ثابت بن قاسم . وكتب عن خلق كثير سوى هؤلاء . وكان يستجلب المصنَّفات من الأقاليم والنواحي باذلاً فيها ما أمكن من الأموال حتى ضاقت عنها خزائنه . وكان ذا غرم بها قد آثر ذلك على لذات الملوك . فاستوسع علمه ودق نظره وجمَّت استفادته . وكان في المعرفة بالرجال والأنساب والأخبار أحوذياً نسيج وحده . وكان أخوه الأمير عبد الله المعروف بالولد على هذا النمط من محبة العلم . فقيل في أيامه أبيه وكان الحكم ثقة فيما ينقله . قال ابن الأبار هذا وأضعافه فيه وقال : عجباً لابن الفرضي ولابن بشكوال كيف لم يذكراه . ولي الأمر سنة خمسين وثلاث مائة بعد والده وقل ما نجد له كتاباً من خزائنه إلا وله فيه قراءة أو نظر في أي فن كان . ويكتب فيه نسب المؤلف ومولده ووفاته . ويأتي من بعد ذلك بغرائب لا تكاد توجد إلا عنده لعنايته بهذا الشأن . توفي بقصر قرطبة في ثاني صفر سنة ست وستين وثلاث مائة مات بالفالج . وكان قد شدد في إبطال الخمر في مملكته تشديداً مفرطاً . وتولى الأمر بعده ابنه المؤيد بالله هشام وسنه يومئذ تسع سنين . وقام بتدبير المملكة الحاجب أبو عمر محمد بن عبد الله بن أبي عامر العامري القحطاني الملقب بالمنصور وقد تقدم ذكره . ومن شعر المستنصر بالله وهو جيد : من الطويل .
عجبت وقد ودَّعتها كيف لم أمت ... وكيف انثنت بعد الوداع يدي معي .
فيا مقلتي العبرى عليها اسكبي دما ... ويا كبدي الحرَّى عليها تقطَّعي .
ومنه : من الطويل .
إلى الله أشكو من شمائل مترفٍ ... عليَّ ظلومٍ لا يدين بما دنت .
نأت عنه داري فاستزاد صدوده ... وإني على وجدي القديم كما كنت .
ولو كنت أدري أنَّ شوقي بالغٌ ... من الوجد ما بلِّغته لم أكن تبت .
أبو محمد العقيلي .
الحكم بن هشام بن عبد الرحمن أبو محمد الثقفيّ العقيليّ من آل أبي عقيل الكوفيّ . سكن دمشق وحدّث عن قتادة وعبد الله بن عمير وحماد بن أبي سليمان وأبي إسحق الهمدانيّ ومنصور والثوريّ وهشام بن عروة وغيرهم . وروى عنه هشام بن عمار والواليد بن مسلم والهيثم بن خارجة وغيرهم . قال يحيى بن معين : الحكم بن هشام كوفيّ ثقة . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وكان من ولد سعيد بن العاص . وكان يقول : ومن مثل الحجاج . تزوّج أربعين من قريش . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به . وكان عسراً في الحديث فلما جاءه ابن المبارك انبسط له وحدَّثه . وكان مؤاخياً لأبي حنيفة .
وليُّ العهد .
الحكم بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان . جعله أبوه وليَّ عهده وبايع له بالخلافة من بعده وبعده لأخيه عثمان بن الوليد . فلما قتل أبوهما حبسا وبويع يزيد بن الوليد . فلما مات يزيد سار مروان بن محمد إلى دمشق فالتقته جنود إبراهيم بن الوليد فهزمت . فرجعوا إلى دمشق وذبح الغلامان في السجن سنة سبع وعشرين ومائة وهربوا . وجاء مروان وبويع بالخلافة . وقال الحكم في السجن : من الوافر .
أتنزع بيعتي من أجل أمي ... وقد بايعتم بعدي هجينا .
ومروانٌ بأرض ابني نزارٍ ... كليث الغاب مفترساً عرينا