أرسلت تسأل عني كيف كنت وما ... لاقيت بعدك من همٍّ ومن حزن .
وقيل أنّ بعضهم كتب إلى أبي القاسم سمنون بن حمزة الزاهد يسأله عن حاله . فكتب إليه هذين البيتين . وكان جدّه مجوسياً وصحب الجنيد ومن في طبقته . وأفتى أكثر علماء عصره بإباحة دمه . ويقال أن أبا العباس ابن سريج كان إذا سئل عنه يقول : هذا رجل خفي عني حاله وما أقول فيه شيئاً . وكان قد جرى منه كلام في مجلس حامد بن العباس الوزير بحضرة القاضي أبي عمر . فأفتى بحلِّ دمه . وكتب خطّه بذلك وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء . فقال لهم الحلاَّج : ظهري حمىً ودمي حرام وما يحلّ لكم أن تتأوَّلوا عليّ بما يبيحه . وأنا اعتقادي الإسلام ومذهبي السُّنَّة وتفضيل الأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين وبقية العشرة الصحابة رضوان الله عليهم . ولي كتب في السّنَّة موجودة في الورّاقين فالله الله في دمي . ولم يزل يردِّد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم إلى أن استكملوا ما احتاجوا إليه . ونهضوا من المجلس وحمل الحلاج إلى السِّجن . وكتب الوزير إلى المقتدر يخبره بما جرى في المجلس وسيَّر الفتوى . فعاد الجواب بأن القضاة إذا كانوا أفتوا بقتله فليسلّم إلى صاحب الشرطة وليتقَّدم إليه بضربه ألف سوطٍ . فإن مات من الضرب وإلا ضرب مرةً أخرى ألف سوطٍ ثم تضرب عنقه . فسلّمه الوزير إلى الشرطي وقال له ما رسم به المقتدر وقال : إن لم يتلف بالضرب فتقطع يده ثم رجله ثم يده ثم رجله ثم تحزّ رقبته وتحرق جثته . وإن خدعك وقال لك : أنا أجري الفرات ودجلة ذهباً فلا تقبل ذلك منه ولا ترفع العقوبة عنه . فتسلّمه الشرطي ليلاً وأصبح يوم الثلاثاء لسبعٍ بقين أو لستٍ بقين من ذي القعدة سنة تسعٍ وثلاث مائة . فأخرجه عند باب الطَّاق واجتمع من العامَّة خلق كثير لا يحصى عددهم . وضربه الجلاد ألف سوطٍ ولم يتأوَّه بل قال الشرطي لما بلغ ستَّ مائةٍ : ادع بي إليك فإنَّ لك عندي نصيحةً تعدل فتح قسطنطينَّية . فقال له : قد قيل لي عنك أن تقول هذا وأكثر منه وليس لي إلى أن أربع الضرب عنك سبيل . فلما فرغ من ضربه قطع أطرافه الأربع ثم حزَّ رأسه وأحرق جثته . ولما صارت رماداً ألقاها في دجلة . ونصب الرأس على الجسر ببغداد وجعل أصحابه يعدون نفوسهم برجوعه بعد أربعين يوماً . واتّفق أنه ما زادت الفرات تلك السنة زيادةً وافرةً فادَّعى أصحابه أن ذلك بسبب إلقاء رماده فيها . وادَّعى بعض أصحابه أنه لم يقتل وإنما ألقي شبهه على عدوه . انتهى . قال الشيخ شمس الدين : قتلوه على الكفر والحلول والانسلاخ من الدين نسأل الله العفو . كان قد صحب الجنيد وعمرو بن عثمان المكي وغيرهما . وقد أفرد ابن الجوزي أخباره في تصنيفٍ سماه القاطع لمحال الحاجِّ بمحال الحلاّج . أفتى الفقهاء ببغداد بكفره . ومن نظر في مجموع أمره علم أن الرجل كان كذاباً مموِّهاً ممخرقاً حلولياً له كلام يستحوذ به على نفوس جهَّال العوامّ حتى ادّعوا فيه الربوبية . وكان قد قبض عليه بالسوس وحمل إلى على بن أحمد الراسبي فأقدمه إلى الحضرة . فجرى ما جرى وظهر ببغداد وبالأهواز أنه ادّعى الإلهية وأنه يقول بحلول اللاهوت في الاشراف . ووجدوا في منزله رقاعاً فيها رموز . ويكتب إلى تلاميذه : من النّور الشَّعشاني . قال مجد الدين ابن النجار وذكر سنداً منه يتصل بالقاضي أبي الحسن عليّ بن عبد العزيز الجرجاني . حكى عن أبي الحسن العناد الصوفي نه قال : حضرت بعض عقبات أصبهان فرأيت شيخاً ينزل عن العقبة فكان الشيخ الحسين بن منصور الحلاّج فعرفته بصفته فسلَّمت عليه فرد السلام وقال : أغلام النوريّ ؟ قلت : نعم . قال فجلس على حجرٍ وقال : من الوافر .
لئن أمسيت في ثوبي عديمٍ ... لقد بليا على حرٍّ كريم .
فلا يغررك أن أبصرت حالاً ... مغيَّرةً عن الحال القديم .
فلي نفسٌ ستتلف أو سترقى ... لعمرك بي إلى خطبٍ جسيم .
فقلت : الصُّحبة فقال : الصُّحبة صعبة وأشار بيده إلى الهواء فطرح في ركوتي عشرة دنانير . ثم لم ألتق معه إلى حين . ثم التقينا بجبال فارس فسلَّمت عليه فقال : أغلام النوريّ ؟ قلت : نعم فجلس فقال : اكتب : من مجزوء الكامل .
دنيا تغالطني كأنِّي لست أعرف حالها .
مدَّت إليَّ يمينها فرددتها وشمالها .
ورأيتها مكارةً فوهبت جملتها لها