إن كنتم قد ولتعم بالجفاء وس ... سلَّمتم لي الهمَّ تسليمي إلى الحرس .
فكلُّ ماءٍ سرت فيه مراكبكم ... دمعي وكلُّ هواءٍ مزعجٍ نفسي .
وقال : وقع بيني وبين أولاد الشيخ واقع أوجب تركي لهم بعد ودٍّ أكيد . فشكوني إلى الكامل . فتنكَّر لي وتنمَّر وعبس وقال : ما لي أرى فخر الدين عتبان عليك ؟ قلت : لسوء معاملته لي فقلت : إن رسم مولانا السلطات خلَّد الله ملكه أن أكون جليس بيتي وأنقطع عن الخدمة فعلت ذلك داعياً لأيامه . فإني عاجز عن مداراة هؤلاء . فقال : لا أكلِّفك هذا ولكن آمر الغلمان أنهم متى رأوك أخذوا نعالك . قال : فهوَّنت ذلك وقلت : ما عسى أن يبلغ بي إذاً ؟ ثم أمرني بالملازمة فجعلت أجيء فكما يقع عليَّ عين الغلمان أخذوا نعلي من رجلي فأدخل إليه مرةً حافياً ومرةً بخفافي وقد تنجَّست بالطين . فإذا أردت أن أطأ البساط نادى السلطان ومن حضره : لا تنجِّس البسط . فدخلت إليه يوماً وأنشدته : من الكامل .
مولاي إنَّك قد قتلت حواسدي ... لو يعلمون بأحسن الألطاف .
ما إن أمرت بخلع نعلي دائماً ... إلا لتجعلني كبشر الحافي .
قال : فتبسّم وقال : نعم أحسناً إليك ورفعناك إلى هذه الدرجة فاشكرنا إذ جعلناك مثل ذلك الرجل الصالح ولم يغيِّر شيئاً . ثم دخلت يوماً وقد رشُّوا الطريق بالماء فملأت خفافي بالطين وصاح الغلمان : لا تدس البسط . فتقدمت وأنشدت : من السريع .
يا ملك الدنيا ومن حازها ... بعدله والبذل والباس .
أمرتني أن لا أطأ حافياً ... بساطك المغتصَّ بالناس .
قلي ما أصنع في قدرتي ... أجعل رجليَّ على راسي .
قال : فتبسّم ولم يغيِّر شيئاً . فعجزت وقصرت حيلتي وجعلت أحلف له أن ذلك بلغ مني مبلغاً عظيماً ولقيت منه شدّةً وأسأله العفو فلا يزيدني على الضحك . فشكوت ذلك إلى الصّلاح الإربلي الشاعر فقال : عندي لك حيلة إن شكرتها لي علَّكمتكها . فقلت : ما أشكرني لما يذهب عني هذه الوصمة . فقال : إذا دخلت على السلطان فقع على نعله وخذها بمنديلك وقل : يا مولانا إنَّ نعلي قد استجارت بهذه النعل كما أن صاحبها ملك الملوك . قال : ففعلت ذلك فضحك حتى استلقى وقال : بحياتي من علَّمك هذا ؟ قلت : صلاح الدين قال : قد علمت أنها من فعلاته وأعفاني . ومن شعره : من الكامل .
عاتبتها فسقت بنرجس لحظها ... ورداً بفرط حيائه يتورَّد .
صنمٌ تعبَّد ناظري بجماله ... فلواحظي أبداً إليه تسجد .
وكتب تحتها قولي : فلوا حظي أبداً إليها تسجد من البديع . فكتب الكامل تحته : أخذت هذا من قول الشاعر : من المنسرح .
ولي حبيبٌ لم تبد صورته ... للنَّاس إلاَّ صلَّت له الحدق .
فأقسم له بحياته أنه لم يسمع ذلك .
الحلاَّج .
الحسين بن منصورٍ الحلاَّج الزاهد المشهور من أهل البيضاء بلدة بفارس .
نشأ بواسط والعراق وصحب الجنيد وغيره . والناس مختلفون في أمره فمنهم من يبالغ في تعظيمه ومنهم من يكفِّره . قال ابن خلكان : ورأيت في كتاب مشكاة الأنوار لأبي حامد الغزالي فصلاً طويلاً في حاله . وقد اعتذر له عن الألفاظ التي كانت تصدر عنه مثل قوله : أنا الحقّ وما في الجبَّة إلا الله . وهذه الإطلاقات التي ينبو السَّمع عنها وعن ذكرها وحملها كلَّها على محامل حسنةٍ وأوَّلها وقال : هذا من فرط المحبَّة وشدّة الوجد . وجعل هذا مثل قول القائل : من الرمل .
أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... فإذا أبصرتني أبصرتنا .
ومن الشعر المنسوب إليه على اصطلاحهم وإشاراتهم قوله : من البسيط .
لا كنت إن كنت أدري كيف كنت ولا ... لا كنت إن كنت أدري كيف لم أكن .
وقوله أيضاً على هذا الاصطلاح : من البسيط .
ألقاه في اليمِّ مكتوفاً وقال له : ... إيَّاك إيَّاك أن تبتلَّ بالماء .
وقال أبو بكر بن ثوابة القصري : سمعت الحسين بن منصور وهو على الخشبة يقول : من الوافر .
طلبت المستقرَّ بكلِّ أرضٍ ... قلم أر لي بأرضٍ مستقَّرا .
أطعت مطامعي فاستعبدتني ... ولو أنِّي قنعت لكنت حرَّا .
والبيت الذي قبل قوله : لا كنت إن كنت أدري : من البسيط