فلا تقرب الأمر الحرام فإنِّما ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها .
وكم قد رأينا من تكدُّر عيشةٍ ... وأخرى صفا بعد اكدرارٍ غديرها .
ومنه : من الطويل .
مخصَّرة الأوساط زانت عقودها ... بأحسن مما زيَّنتها عقودها .
وصفرٌ تراقيها وحمرٌ أكفُّها ... وسودٌ نواصيها وبيضٌ خدودها .
ابن حرّاز .
الحسين بن أبي منصور : بن حرَّاز بالحاء المهملة والراء المشدَّدة وبعد الألف زايٌ أبو عبد الله الهمامي وجيه الدين وهو ابن أخت أبي الغنائم محمد بن علي بن المعلم الهرثي . كان وجيه الدين يعرف النحو واللغة . قال ياقوت في معجم الشعراء : سمعته يقول : حفظت كتاب سيبويه بعد المفصل للزمخشري . أقام بمصر في خدمة الكامل بن العادل وصادف عنده القبول . ولما سيَّر الكامل ولده إلى اليمن ليفتحها نظم وجيه الدين : من البسيط .
مهما أمرت يواتي أمرك القدر ... سر بالعساكر مقروناً بها الظَّفر .
لك العزائم لا تنبو مضاربها ... تضاءلت عندها الهنديَّة البتر .
جيَّشت منها جيوشاً خلتها سحباً ... لها الصَّوارم برقٌ والدِّما مطر .
قد أينعت سمرها مما ارتوت علقاً ... كأنما الهام في أطرافها ثمر .
بديهة الرأي منها كلما صدرت ... بالحزم فهي لأرباب النُّهى فكر .
ثم ذكر ابنه فقال : من البسيط .
ساق المقانب قد حفَّت بمقتبلٍ ... عليه ألوية الإقبال تنتثر .
إذا رأته وهو وافى الملوك بها ... ألقت إليه جناح الذُّلِّ تعتذر .
فيمسك الحلم منه صوب بادرةٍ ... إنَّ الكرام يرون العفو إن قدروا .
قال وجيه الدين : كنت قلت : إن قدروا شرطاً فقال الكامل : لا تجعل هنا شرطاً ولكن قل أن قدروا . فأنا أورده كما أراد وهو لعمري أصيب لشاكلة المعنى وأحيز لخصل الحسن . وأجازه عنها الكامل جائزة سنيةً . قال وجيه الدين : اشتغل عني الكامل مدةً بأخيه المعظم ونحن في نواحي أشموم من نواحي مصر فكتبت إليه : من الكامل .
مولاي إنَّ سهاد ليلى والبكا ... أمسى رقيق عناهما إنساني .
وزوال ذاك الرِّقِّ منكم نظرةٌ ... ما آن لي أن تعتقوا أجفاني .
فلما وقف الكامل عليهما قال : لينصرف الجامعة ويؤذن له . وقال فيهم أيضاً : من الكامل .
إيهاً بني أيوب أنتم روضةٌ ... وأبو المظفَّر غيثها المدرار .
غصنٌ من المعروف يثني عطفه ... كرمٌ له الذّكر الجميل ثمار .
وكأنَّ مدحي فيه معصم غادةٍ ... وندى يديه الغمر فيه سوار .
وودع الكامل يوماً وقد خرج إلى الصيد . فلما رجع دخل إليه وأنشده : من الكامل .
عتب الغرام عليَّ يوم وداعكم ... إذ كان لي صبرٌ على التَّوديع .
وبجا على خدَّيَّ من ألم الجوى ... عقدٌ تنظَّم من سقيط دموعي .
وتولَّعت ريح الصَّبا بصبابتي ... فسرت بقلبٍ بالغرام ولوع .
ورأى السحاب فضيض دمعي فيكم ... فغدا يجفنٍ للبكاء هموع .
مالي تؤنِّبني العواذل فيكم ... وجميع شوقي قد أذاب جميعي .
فقال الكامل : لو قلت ولبعض شوقي قد أذاب جميعي كان أحسن . قال : فرويته مثل ما قال . قال وجيه الدين : بينا أنا ذات يوم في بعض شوارع القاهرة إذا برجلٍ من الصوفية قد لزم بأطواقي فارتعت له وقلت : ويلك ماخبرك ؟ فقال : أنت المدعي الذي يقول : من البسيط .
قل للذين نأوا هل عندكم خبرٌ ... بأنَّ ليلي عليكم كلُّه سهر .
هذي النجوم سلوها فهي تخبركم ... هلزار جفني كرىً أو راقه سحر .
فقلت : أنا قائل ذلك وما أنكرت فيه ؟ فقال : ويحك إنَّ الجنيد يقول وقد وصفت رجلاً فأطنب ثم قال : نعم الرجل هو لو لا أنه يرتاح في الأسحار وأنت تقول : ما راقني سحر . فما زلت أخضع له حتى تركني . وقال : خرجت مرةً مع الكامل إلى الصيد فنهض بالليل لصيد الطير وأمرني بالكون معه . فقلت : يا مولانا لا أحسن الصيد ولا أحبه فاعفني . فلم يقبل ومضى بسفنه ومن معه وتركني وأمر رجلاً من الحرس أن يكون مني بحيث أن يرى ما يكون مني . فمنت فلما انتبهت لم أر أحداً البتَّة . فقلت : من البسيط