ومحمود ذو الجود ابن سلمان حلَّها ... فحلَّى من الآداب ما قد تعطَّلا .
أعزُّ الوى جاراً وأنفع نائلاً ... وأكثر إفضالاً وأعذب منهلا .
وأوفاهم عهداً وأقربهم ندىً ... وأطوعهم باعاً وأفصح مقولا .
هو البدر خلقاً والنسيم خلائقاً ... هوالبحر كفاً والجداول أنملا .
فوبل الحيا من ذلك الكفِّ يجتدى ... وشمس الضُّحى من ذلك الوجه تجتلى .
محّياً وسيمٌ والوجوه عوابسٌ ... وكفٌّ بإثراء العديم تكفَّلا .
فإن حلَّ جدبٌ كان كنزاً ومزنةً ... وإن جلَّ خطبٌ كان حرزاً ومعقلا .
منها : .
أتاك قريضي قد تلَّفع بالحيا ... وأمَّك للاغضاء منك مؤمِّلا .
وماهو إلا قول تلميذك الذي ... روى خبر الإبداع عنك مسلسلا .
غدا العفاة العصر مغنىً ومغنياً ... وأصبح للراجين مولىً وموئلا .
فإن كان ذا عيبٍ فلن تضمن الهدى ... وإن كان ذا حسنٍ فعنك تأصَّلا .
وهي تسعة وستون بيتاً وكلها جيد . فكتب جوابه C تعالى : يقبل الباسطة لا زالت قضب أقلامها بالمعاني مثمرة وليالي أنفاسها بالأماني مقمرة وأنواء فضائلها بماء النعماء ممطرة : من البسيط .
حتى يرى كلُّ طرسٍ من أناملها ... روضاً تقابل في أثنائه الثَّمر .
وللمعاني على أنفاسه لمعٌ ... كاللّيل أشرق في أرجائه القمر .
فهي اليد التي شرِّف مقبِّلها وتغني مؤمِّلها وتباري الغيث فيبين فضلها عليه وتجاري البحر الذي يهدي الدر فيودُّ لو أهدت درَّها إليه : من البسيط .
يدٌ عهدتك للتقبيل تبسطها ... فتستقلُّ الثُّريَّا أن تكون فما .
تقبيلاً يواليه حتى يكاد يثبت فيه قبله ويتابعه إلى أن تروى منها غلله فهو لا يطيق عن وردها صدرا ولا يتعوَّض من عين معينها أثرا .
من البسيط : .
ولا يملُّ وروداً من مناهلها ... إلا إذا ملَّ طرف الناظر النَّظرا .
وينهى ورود المشرَّفة الكريمة بل ديمة الفضل المربي دوامها على كل ديمة . فقبَّل منها مواقع كرمه وقابل منها مطالع نعمه . فشاهد بها أفق فضلٍ كلما أفل نجم أطلع بدراً . ووقف منها على بحر علمٍ كلما أبرز لؤلؤاً رطباً قذف بعده دراً . فتحير كيف يتخير . وتململ حين تأمّل . وقال : ما طائر هذا البيان مما يلج أوكار الأفكار . ولا در هذا الانسجام مما ينظم في سخاب السّحاب . إن هذا إلاّ سحر ولكنه حلال وما هذه المواد إلى بحر ولكنه العذب الزُّلال . ثم ثاب ذهنه فقال : بل هذا لفظ من أوتي ملك البراعة . وخطب بفضله على منابر الأنامل في شعار السواد خطيب البراعة فسيفه قلمه وجنده كلمه وذخائره المعاني التي تنمى على الإنفاق وسراياه شوارد الأمثال التي تسري بها رفاق الآفاق . وعلم الملوك ما اشتمل عليه هذا الكتاب من إحسانٍ عميمٍ وفضلٍ صدر عن كرم أصلٍ وشرفٍ جسيمٍ وودٍّ مثله من يرعاه ولا يرعى الودّ القديم إلى الكريم وفضلٍ ما وصف إلا نفسه . فإنه لا يشارك في الفضل الجسيم فشكر المملوك وأثنى وقبَّل فرائد سطوره مثنىً مثنى وعوَّذ محاسن مهديه بأسماء الله الحسنى وقال : إن قبل هذا الدرّ فالدرّ دونه ولكنه زهر الدراري بل اسنى . وقرَّظ ذلك الفضل الراسخ والبديع الذي إذا تعاطاه فهو المبدع وإن تعاطاه غيره فإنه الناسخ . وكلّف فكره الإجابة فاستقال . وعاوده فما زاد على أن قال : كنت تقدر على هذا والبديهة مطاوعة والقريحة مسارعة والخاطر نقّاد والفكر منقاد والمواد مجتمعة والمسالك متّسعة والشباب جامع لهذه الأسباب والفراغ رادع عن الإحجام عن اقتحام هذا الباب . فأمّا الآن فخاطرك مكدود وباب نشاطك مسدود وعوارض الكبر رادعة وهواجس الفكر في أمر معادك صادَّة صادعة . فعلم المملوك صدق هذا الجواب وكاد يوافق الخاطر على التوجّه صوب هذا الصوت . ولكن خشي أن ينسب إلى إهمال حقِّ سيّده ومن يرجو بركة سلفه ليومه وغده . فسطَّرها المملوك معتذرةً عن قصوره مقترنةً بنظمٍ تتطاول بيوته إلى منارة قصوره : من الطويل .
فما هو من أكفاء أبياتك التي ... سررت بها سرِّي وأعليت لي قدري