وعانى أبو عبد الله هذا الأدب والكتابة والإنشاء والشعر إلى أن ندبه الأمير طاشتكين لتأديب ولده فأقام عنده مدةً وتنقلت به الأحوال في كتابة الأمراء إلى أن اختص بخدمة الوزير مؤيد الدين القمي فكتب بين يديه في ديوان الإنشاء مدة ولايته إلى أن قبض عليه فقبض على الحسين هذا واعتقل مدةً وصودر على مال كثير ثم أطلق وعاد إلى خدمة الأمراء . وكان فاضلاً حسن الأخلاق متواضعاً . وتوفي سنة أربعين وستمائة .
ومن شعره : من الخفيف .
أين غزلان عالجٍ والمصلى ... من ظباءٍ سكن نهر المعلى .
أبتلك الكثبان أغصان بانٍ ... وبدورٌ في أفقها تتجلى .
أم لتلك الغزلان حسن وجوهٍ ... لو تراءت للحزن أصبح سهلا .
أين ذاك العرار من صبغة الور ... د إذا جاءه النسيم وطلا .
ألدار السلام في الأرض شبهٌ ... معجزٌ أن ترى لبغداد مثلا .
كل يوم تبدي وجوهاً خلاف الأ ... مس حسناً كأنما هي حبلى .
قلت : شعر متوسط .
صاحب فخ العلوي .
الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب Bه . وأمه زينب بنت عبد الله بن حسن بن حسن بن علي صاحب فخ .
كان والده كثير العبادة فنشأ الحسين أحسن نشءٍ له فضلٌ في نفسه وصلاحٌ وسخاءٌ وشجاعةٌ .
قدم على المهدي بغداد فرعى حرمته وحفظ قرابته ووهبه عشرين ألف دينار ففرقها ببغداد والكوفة على قرائبه ومواليه وما عاد إلى المدينة إلا بقرض وما كسوته إلا جبةٌ كانت عليه وإزارٌ كان لفراشه .
حتى ولي الهادي فأمر على المدينة رجلاً من ولد عمر بن الخطاب فأساء إلى الطالبيين واستأذنه بعضهم في الخروج إلى موضع فلم يأذن له حتى كفله الحسين فلما مضى الأجل طالبه به فسأله النظرة فأبى وغلظ عليه فأمر بحبسه حتى حلف له ليأتين به من الغد فخلى سبيله فجمع أهله وأعلمهم أنه قد عزم على الخروج فبايعوه على ذلك فخرج يوم السبت عاشر ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة .
وكان سخياً لا يكبر عليه ما يسأله وكان يقول : " إني لأخاف أن لا أؤجر على ما أعطي ؛ لأني لا أكره نفسي عليه " . وكان محبباً كثير الصديق أباع مواريثه كلها وأنفقها .
فلما سمع بحاله العمري هرب وانفرد بالمدينة وخطب الناس وبايعه أكثر حاج العجم واستجابوا له وتوجه إلى مكة فتلقته الجيوش بفخ وفيها : سليمان بن أبي جعفر وكان أمير الموسم وموسى بن عيسى على العسكر وجرى القتال بينهم والتحم فتفرق عنه أصحابه وبقي في نفرٍ قليل فقتل الحسين ومعه رجلان من أهل بيته : سليمان بن عبد الله بن حسن بن حسن وعبد الله ابن إسحاق بن إبراهيم بن حسن بن حسن . وكان مقدم العسكر يقال له : يقطين ؛ فلما قتل الحسين قطع رأسه وحمله إلى الهادي ورماه بين يديه متبجحاً ؛ فقال الهادي : " ارفق فليس برأس جالوت ولا طالوت " .
وقالت فاطمة بنت علي لأخيها الحسين : " والله لا أسأل عنك الركبان أبداً " . فخرجت معه حتى شهدت قتله وكانت تعتاد قبره وتلزم زيارته وفي عنقها مصحف فتبكيه حتى عميت .
وتأخر قومٌ بايعوه فلما فقدهم وقت المعركة أنشأ يقول : من الطويل .
وإني لأهوى الخير سراً وجهرةً ... وأعرف معروفاً وأنكر منكرا .
ويعجبني المرء الكريم نجاده ... ومن حين أدعوه إلى الخير شمرا .
يعين على الأمر الجميل وإن يرى ... فواحش لا يصبر عليها وغيرا .
وقتل يوم التروية سنة تسع وستين ومائة . وتقدم ذكر أخيه محمد . وسيأتي ذكر والده علي في مكانه من حرف العين .
ابن دبابا السنجاري .
الحسين بن علي بن سعيد بن حامد بن عثمان بن علي بن جار الخيل وقيل : جار الخير - أبو عبد الله البزاز المعروف بابن دبابا - بائين موحدتين - من أهل سنجار .
قرأ الأدب وقال الشعر وسكن بغداد ومدح الإمام الناصر وغيره من الأعيان والصدور وكان كثير المحفوظ . وتوفي بدمشق سنة ست عشرة وستمائة عن ست وسبعين سنة .
ومن شعره : من الوافر .
تبصر هل بذي العلمين نار ... أم ابتسمت على إضمٍ نوار .
فإن تك أوحشت منها ديارٌ ... فقد أنست بحلتها ديار .
ذراني كي أسيل بها دموعي ... وأسألها متى شط المزار