وتمم بأصبهان كتاب : الشفاء ففرغ من المنطق والمجسطي . وكان قد اختصر : أقليدس والأرثماطيقي والموسيقى وأورد في كل كتاب من الرياضيات زياداتٍ رأى أن الحاجة إليها داعيةٌ . أما في المجسطي ؛ فأورد فيه عشرة أشكال في اختلاف المنظر وأورد في آخر المجسطي في الهيئة إيراداتٍ لم يسبق إليها . وأورد في أقليدس شبهاً وفي الأرثماطيقي حسنة . وفي الموسيقى مسائل غفل عنها الأولون وتم الكتاب المعروف بالشفاء ما خلا كتاب : النبات وكتاب : الحيوان فإنهما صنفا في السنة التي توجه فيها علاء الدولة إلى سابور في الطريق وصنف في الطريق أيضاً كتاب : النجاة .
واختص بعلاء الدولة ونادمه إلى أن عزم علاء الدولة على قصد همذان وخرج الشيخ صحبته فجرى ليلةً بين يدي علاء الدولة ذكر الخلل الحاصل في التقاويم المعمولة بحسب الأرصاد القديمة فأمر الشيخ بالاشتغال برصد هذه الكواكب وأطلق له من الأموال ما يحتاج إليه . وولاني اتخاذ آلاتها واستخدام صناعتها حتى ظهر كثيرٌ من المسائل وكان يقع الخلل في الرصد لكثرة الأسفار وعوائقها وصنف : الكتاب العلائي .
وكان الشيخ يوماً جالساً بين يدي الأمير علاء الدولة وأبو منصور حاضرٌ فجرى في اللغة مسألةٌ فتكلم فيها الشيخ بما حضره فالتفت أبو منصور إلى الشيخ وقال : " نقول إنك حكيمٌ وفيلسوفٌ ولكن لم تقرأ من اللغة ما يرضي كلامك فيها " فاستنكف الشيخ من هذا الكلام وتوفر على درس كتب اللغة ثلاث سنين واستهدى كتاب : تهذيب اللغة من خراسان وبلغ في اللغة طبقةً قلما يتفق مثلها ونظم ثلاث قصائد وضمنها ألفاظاً غريبةً وكتب بها ثلاثة كتب ؛ أحدها : على طريقة الصابي والأخرى : على طريقة الصاحب والأخرى : على طريقة ابن العميد وجلدها وأخلق جلدها وورقها ثم أوعز الأمير علاء الدين فعرض تلك المجلدات على أبي منصور وقال : " ظفرنا بها في الصيد في الصحراء فتقول لنا ما فيها " . فنظر فيها أبو منصور وأشكل عليه كثيرٌ مما فيها . فقال له الشيخ : " إن ما تجهله من هذا فهو مذكورٌ في الموضع الفلاني من كتاب فلانٍ وذكر له كتباً كثيرة من اللغة المعروفة ففطن أبو منصور أن تلك من وضع الشيخ وأن الذي حمله ؛ ما جبهه به ذلك اليوم فتنصل واعتذر إليه . ثم صنف الشيخ كتاباً سماه : لسان العرب لم يصنف في اللغة مثله ولم ينقله إلى البياض حتى توفي ولم يهتد أحدٌ إلى تربيته .
وكان قد حصل له تجارب كثيرة فيما باشرها من المعالجات وعزم على تدوينها في كتاب : القانون وكان قد علقها في أجزاءٍ فضاعت قبل تمامه كتاب القانون ؛ من ذلك أنه صدع يوماً فتصور أن مادةً تريد النزول إلى حجاب رأسه وأنه لا يأمن ورماً يحصل فيه فأمر بإحضار ثلج كثير ودقه ولفه في خرقةٍ وتغطية رأسه بها ففعل ذلك حتى قوي الموضع وامتنع من قبول مادته وعوفي .
ومن ذلك امرأةٌ مسلولة بخوارزم أمرها أن لا تتناول شيئاً من الأدوية سوى الجلنجبين السكري حتى تناولت على الأيام مقدار مائة منٍّ وشفيت المرأة .
وكان قد صنف بجرجان المختصر الأوسط في المنطق وهو الذي وضعه بعد ذلك أول : النجاة ووقعت نسخةٌ إلى شيراز فنظر فيها جماعةٌ من أهل العلم هناك فوقعت لهم شبهٌ في مسائل منها فكتبوها في جزء وكان قاضي شيراز من جملة القوم فأنفذ الجزء إلى أبي القاسم الكرماني صاحب إبراهيم بن بابا الديلمي المشتغل بعلم المناظر وأنفذها على يدي ركابي قاصدٍ فعرض الجزء على الشيخ عند اصفرار الشمس في يومٍ صائفٍ فترك الجزء بين يديه ونظر فيه والناس يتحدثون ثم خرج أبو القاسم فأمرني بإحضار البياض وقطع أجزاءً منها فشددت خمسة أجزاء كل واحد عشرة أوراق بالربع الفرعوني وصلينا العشاء وقدم الشمع وأمر بإحضار الشراب وأجلسني وأخاه وأمرنا بمناولة الشراب وابتدأ هو بجواب تلك المسائل وكان يكتب ويشرب إلى نصف الليل حتى غلبني وأخاه النوم فأمرنا بالانصراف وعند الصباح قرع الباب فإذا رسول الشيخ يستحضرني فحضرته وهو على المصلى وبين يديه الأجزاء الخمسة فقال : خذها وصر بها إلى الشيخ أبي القاسم الكرماني وقل له : استعجلت في الإجابة عنها لئلا بتعوق الركابي فصار هذا الحديث تاريخاً بينهم