ومات الحسن ليلة الجمعة وغسله أيوب وحميد وأخرج حين انصرف الناس وازدحموا عليه حتى فاتت الناس صلاة العصر لم تصل في جامع البصرة . وكان توفيه سنة عشر ومائة وعمره تسعٌ وثمانون سنة وقيل ستٌّ وتسعون سنة .
حدث أبو علي الأهوازي قال سمعت أبي يقول كان بين الحسن البصري وبين ابن سيرين هجرة فكان إذا ذكر ابن سيرين عند الحسن يقول : دعونا من ذكر الحاكة وكان بعض أهل ابن سيرين حائكاً فرأى الحسن في منامه كأنه عريانٌ وهو قائمٌ على مزبلة يضرب بالعود فأصبح مهموماً برؤياه فقال لبعض أصحابه : " امض إلى ابن سيرين فقص عليه رؤياي على أنك أنت رأيتها " فدخل على ابن سيرين وذكر له الرؤيا فقال ابن سيرين : " قل لمن رأى هذه الرؤيا لا تسأل الحاكة عن مثل هذا " . فأخبر الرجل الحسن بمقالته فعظم لديه وقال : قوموا بنا إليه فلما رآه ابن سيرين قلم إليه وتصافحا وسلم كل واحدٍ منهما على صاحبه وجلسا يتعاتبان فقال الحسن : " دعنا من هذا فقد شغلت الرؤيا قلبي " .
فقال ابن سيرين : " لا تشغل قلبك فإن العري عريٌ من الدنيا ليس عليك منها علقة . وأما المزبلة فهي الدنيا وقد انكشفت لك أحوالها فأنت تراها كما هي في ذاتها وأما ضربك بالعود فإنه الحكمة التي تتكلم بها وينتفع بها الناس " .
فقال له الحسن : " فمن أين لك أني أنا رأيت هذه الرؤيا " ؟ قال ابن سيرين : " لما قصها علي فكرت فلم أر أحداً يصلح أن يكون رآها غيرك " .
وقال رجل لابن سيرين قبل موت الحسن : " رأيت كأن طائراً أخذ أحسن حصاةٍ بالمسجد " فقال ابن سيرين : " إن صدقت رؤياك ؛ مات الحسن " . فلم يكن غير قليل حتى مات الحسن ولم يحضر ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما . ثم توفي ابن سيرين بعده بمائة يوم .
أبو سعد التجيبي .
الحسن بن يعقوب بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو بكر الأديب ابن الأديب أبو سعد التجيبي .
كان شيخاً فاضلاً مليح الخط مقبول الظاهر حسن الجملة ووالده الأديب صاحب التصانيف . وكان أستاذ أهل نيسابور في عصره غالياً في مذهب الاعتزال داعياً إلى الشيعة .
سمع أبا يعقوب وأبا نصر عبد الرحمن بن محمد بن أبي أحمد التاجر والسيد أبا الحسن محمد بن عبد الله الحسني وأبا سعيد مسعود بن ناصر بن أبي زيد السجزي الحافظ . وكان يكتب الحديث بخطه . وتوفي سنة سبع عشرة وخمسمائة بنيسابور .
قال والده يعقوب بعدما أنشد أبياتاً سوف تأتي في ترجمة والده يعقوب : واقتدى بي ابني الحسن حبرة الله فقال وأجاد : من الطويل .
أعد علة الأحوال مني صحيحةً ... وضاعف نداك الغمر تنقص به فقري .
وبدد صروف الدهر قبل التفافها ... على جوف مهموز الفؤاد من الضر .
قلت : يريد بذلك ألقاب الأفعال المشهورة وهي : الصحيح والمضاعف والمنقوص والمعتل والأجوف والمهموز واللفيف .
وكتب الحسن إلى الباخرزي : من الوافر .
نظامك مسكرٌ لا الراح صرفاً ... ونثرك لؤلؤٌ لا ما ينظم .
فإن تنظم فسحرٌ بابليٌّ ... وإن تنثر فمنثورٌ وأنعم .
علي بقيت للعلياء تكسى ... لباس الأمن في عيشٍ منعم .
وقال في أوحال نيسابور : من المديد .
قل لمن يعذلني في انحجازي ... بعد أن شاد الشتاء رواقه .
لا تلمني في لزومي لبيتي ... إن عومي في الخرا لحماقه .
قال الباخرزي : " ولم يزل يقرع سمعي ما بنيت عليه نيسابور من رهل التربة وابتلاع طينها رجل الماشي من الأخمص إلى الركبة حفائر حاشى الوجوه تذكر قارون وبليةً والعياذ بالله منها تعيا القرون ووحلاً بلغ منكب خائضه فالتحفه وأودع القلب مصحفه ودجناً يزم في الهواء كل سارية كلفا إذا حلقت ألصقت بأشراف الكواكب سنامها وإذا أسفت غلقت من آناف المتاعب زمامها " .
وذكر البيتين .
أمير المؤمنين المستضيئ بالله